في أول عملية استثمارية في القطاع المنجمي لهذه السنة تم تطبيق البنود الجديدة التي أدخلت على قانون الاستثمار وخاصة في شقه المتعلق بنسبة الشراكة بين الطرفين الوطني والأجنبي ومن ثم إقصاء كل العروض التي لم تستوف الشروط المنصوص عليها في قانون المالية التكميلي للسنة الماضية. ثلاثة عروض أجنبية تم استبعادها بعد عملية فتح أظرفة أول مناقصة في القطاع المنجمي، منذ مطلع العام الجاري، وكان ذلك في نهاية الأسبوع الماضي ويتعلق الأمر بالشركة المختلطة بين »لافارج« الفرنسية وكوسيدار الجزائرية، حيث حازت الأولى على النسبة الغالبة، بينما تنص المادة الرابعة مكرر من قانون الاستثمارات على عدم تجاوز حصة المستثمر الأجنبي نسبة 49٪ في أية شراكة استثمارية مستقبلا. ولنفس السبب أي عدم استيفاء الشروط القانونية، تم استبعاد العرض الأجنبي الآخر الذي تقدمت به شركة »كوجاي« التركية، من استغلال الرخص التي تمنح في القطاع المنجمي لاستخراج المواد المنجمية الصناعية المختلفة كالملح والرمال والطين والحجر الكلسي والجبس وغيرها... ونفس مصير الرفض والاستبعاد عرفته شركة »أ.و.م. هو ليندغ« المصرية، التي قدمت ثلاث عروض لكن جميعها رفضت، لأن صاحبها لم يتمعن جيدا في النصوص الاستثمارية الجديدة صراحة أن المستثمر الأجنبي مهما كانت جنسيته لا يمكنه أن يستثمر في الجزائر إلا إذا كان ذلك ضمن شراكة مع المستثمر الوطني المحلي، تكون فيها لهذا الأخير الأغلبية بنسبة لا تقل عن 51٪، بعد التعديل الأخير الذي أدخل على قانون الاستثمار في أوت الماضي، والذي جاء كرد فعل مباشر على تداعيات وانعكاسات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني الذي تأثر بشكل محسوس خاصة في شقه المتعلق بتراجع إيرادات النفط، حيث تبين أن التحويلات الناجمة عن الاستثمارات الأجنبية وبالصيغة التي كان معمولا بها في السابق، استنزفت الكثير من الأموال بالعملة الصعبة، وأدرت نفعا كبيرا على المستثمر الأجنبي أكثر من الاقتصاد الوطني الذي تبين أنه لم يعد يحتمل المزيد من الاستغلال تحت شعار ضرورة استقطاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة . وعلى الرغم من التفاؤل الذي أبداه وزير المالية حول انعكاس الاجراءات المتخذة من طرف الحكومة في إطار الاستثمار الأجنبي والذي يرى أنها لن تؤدي إلى التأثير على مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلا أنه يتوقع أن تنحصر هذه الأخيرة بشكل ملحوظ على الأقل في المرحلة الراهنة عقب الانخفاض المحسوس الذي شهدته السنة الماضية بسبب الأزمة المالية بعد أن بلغ مستوى 18,9 مليار دولار في سنة ,2008 يستحوذ فيه قطاع المحروقات على نسبة قد تتعدى 90٪ . وانطلاقا من هذه المعطيات فإنه يبدو من غير المنتظر أن تعود الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل طبيعي، عكس ما لمح إلى ذلك وزير المالية في وقت سابق، ولا يبدو أن مثل هذا الأمر سيشغل كثيرا »الحكومة« التي أخذت على عاتقها ومنذ بضع سنوات مضت تمويل مشاريعها انطلاقا من الامكانيات الداخلية المتاحة لها، واستمرت على نفس المنوال حتى بعد أن بدأت الأزمة المالية العالمية وبانعكاساتها السلبية تزحف ولو ببطء نحو الدائرة الاقتصادية المحلية، مما حذى بالحكومة الى اتخاذ سلسلة من الاجراءات التقييدية بدت لبعض الاجانب أنها ستعيق استثماراتهم في الجزائر، لكنها كانت أكثر من ضرورية للحد من نزيف في العملة الصعبة وقطع الطريق أمام تهريب الأموال على الرغم من أنه لا غنى للبلاد عن الشراكة و الاستثمار الاجنبي، الذي يبدو وأنه لم يعد أولوية تلهث وراءها الحكومة الجزائرية، مثلما كانت تفعل قبل سنوات بعد أن ايقنت أنه لا بديل عن الاعتماد على الامكانيات المحلية المتوفرة، حتى لا تقع فريسة لجشع البعض واستغلال البعض الآخر .