هو ذو خصوصية متميزة، كان قامة موسوعة ومتمسكا بالهوية الأمازيغية العربية الإسلامية. كان المثقف النظيف جعل منه الشخصية النبيلة. من الذين دافعوا عن اللغة العربية بكل قوة، فكان يقول في حاضرات عديدة: إن اللغة العربية إنها لغة قادت العالم، وعمل لأن تعود إلى القيادة. أنه مولود قاسم نايت بلقاسم العلامة الكبير الذي تتوقف عنده صفحة أعلام الجزائر لترصد مسيرته ومساره وانجازاته الراسخة في الذاكرة والضمير. عود إلى بدء كانت له النبوغة فهو العبقري الموسوعي الذي عمل لصالح الأمة وبناء الأسس، وكان يعمل في إعداد الرجال واختيار الأشراف والتكوين منذ صغره فكان النافع المثالي ولد في 6 يناير 1927 في أقبو ولاية بجاية. كان يتميز بالتدين العميق والحيوية، يرفض الكسل والتقاعس. كان مناضلا مع الوفد الدائم في القاهرة وممثل جبهة التحرير الوطني 1954 في باريس، وفي 1956 الى جانب الدراسة وإعداد دكتوراه الدولة في الفلسفة. مناضل وطالب بجامعة براغ 1957 نائب رئيس الوفد الدائم في بون 58 ومكلف بالشؤون الدبلوماسية. كان شديد الاعتزاز بالهوية الجزائرية وبشخصيتها الامازيغية العربية الإسلامية، يغزو القلوب بعذوبته ومولع بتاريخ الجزائر والدفاع ضد كل محاولات تشوّهه. وفي الاستقلال لم يخضع إلى الراحة بل الأوضاع في البلاد لم تسمح له، فهب إلى العمل الجاد، قام بجهود كبيرة منها التعريب. كان الرجل يتقن لغات عالمية إذا تكلم سمى وعلاه البهاء وكان الجميع يعرف أن مولود قاسم كان حريصا كل الحرص على أن تسود اللغة العربية مكانتها، ورغم قيامه بالتعريب أكثر من غيره، ظلّ رافضا لكل الأقاويل التي أرادت أن تجعل اللغة العربية لغة دين. كان مولود قاسم يحاضر ويكتب بخمس لغات فهو الصادق الأمين كريم الشمائل شجاع مغامر، فالزمان يدور وهو لا يكلّ ولا يملّ عن الدوران على الإنسان أن يستغل عمره، فالأستاذ كان ذكيا قويا الحافظة واسع الخيال شديد الانتباه كان له من علم ومعرفة. إذا وعد وفى بوعده. وإذا عرض عليه أمر اهتم به وتفرغ له، وكان ميالا إلى خدمة الناس ونفعهم، كان يعطف على الفقراء ويحاول التخفيف عنهم فهو شريف يضبط نفسه، كان وطنيا إلى النخاع محبا لبلاده منذ صغره، كان يشيد بأمجاده والتغني بجمالها الخلاب، فهو رجل تعدّدت مواهبه وتلونت وكل جانب يدعو إلى وقفة وتأمل فهو المؤرخ المدقق الذي يوافق بين اللغة والتاريخ. كان يعتني بالأرض، لا يقوم إلا بإصلاحها وتفتيت صخورها وشقّ ترابها وإقلاع الأعشاب الضارة. الأرض لا تقبل ولا تحب إلا الساعد القوي صاحب المعول، كان إذا رجع إلى أقبو في أيام العطل يهتم كثيرا بالأرض التي تفيض عليه بالغلال. اليوم الأرض أصبحت في كثير من الجهات بورا تشتاق إلى من يقوم بخدمتها. فالفلاح القديم الذي أعطاها الحياة والعمر فقامت عليه خيرا وبركة، كثيرا ما يبذل يعاون للهدى يحب الجميع ينصح الناس، لا يريد منهم جزاءً ولا شكورا، يخدم الحقّ يصنع المعروف كثيرا ما اسمعه يقول: إن أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، يتقن عمله ويخدم وطنه، نادته الأمة ليتولى المسؤولية استعانت به البلاد استنجدت به دياره. أجاب دعاء الوطن لنداء الأمة. إنه معتدل في أفكاره والوعي في كتاباته والعمق نظرته وشديد في الوقت نفسه وصلب المواقف الجادة التي لا يستهان بها وغير متساهل، إذا غضب سكت الجميع. الثقافة الجزائرية مدينة لمولود قاسم الفذ بثرائه يدين له الوطن برمته بالأعمال الجليلة التي يعرفها الجميع في إثارة سبيل المناعة وما غذته الأجيال، وعندما يتكلم يثلج الصدور بعد اعترافا وتعبيرا عن تقديم رمز العلم والتضحية دون أن ينتظر جزاء ولا شكورا. عندما يحاضر في محاضرته يتميز بقوة الشخصية العارمة تتدفق في كيانه المعرفة بحركته فتوقد كلماته كأشد من اللهب عند التوقد بفكره ولسانه. كان واثقا بنفسه وهذا ما ينعكس على الحضور ويمضي طريقه جادا قويا في أقواله وأعماله، فالمهنة التي كانت تلائمه هي التعليم الأصلي ومواهبه وقد أدرك هذه الملائمة فكان أستاذا ناجحا ومربيا ماهرا وخطيبا مؤثرا وكاتبا بارعا. كان يسأل ويبحث ويوجه فهو أنه أهل سألته بهدوء ورفق. وكنت أحسن الاستماع أيضا معه وقلبي متجّه إليه، كأنه معلم جالس بين يديك في مكان الدرس، لا أترك الوقت يمر دون الفائدة فهو جامعة في ذاته، ومن علامات حضور القلب وتشخيص العين، هذا مهم جدا أن نبدي السرور من الدرس والإفادة منه وأن ترتقبه بفارغ الصبر. تمّ توجيهنا إلى قاعة المحضرات واستقبله مسؤولي الولاية ورحبوا به. صعد إلى المنصة كالجبل وبدأ في محضراته بالقدوة وبصالح أخلاقه وكريم شمائله. وكنت على قدر ما أملك كالطالب في استماعه وجمع نفسه وتفاعل أحاسيسه مع شيخه في درسه. ولهذا كنت حذرا من الكسل والفتور والاتكاء وانصراف الذهن وفتوره، هذا ما كان يكرهه، كان يفضل قوة الاستماع وإتباع كلامه، وهو يقلب الأوراق تارة ولا ينبغي أن يلقى المحاضرات بين الحضور وهم متشوقون له حتى يكون كالغيث أصاب أرضا يابسة فقبلته. الصمت حكمة والكلام نور إذ رأى الناس متشوقين إليه تكلم وفن في الكلام، وإذا رأى العكس فلا يتكلم. كان من الرجال الذين صنعوا التاريخ بداية من الثورة ودور الدبلوماسية التي قادها هو وزملائه، كان ثائرا ومفكرا بالقلم والفكر والدهاء بكل شجاعة ونبل مسلحا بالسياسة والثقافة والمعرفة والوعي النابض من القلب، فكان خيرة من أبناء الجزائر. فكانت سيرته نموذجا قدم تضحيات كبيرة. كان من أعمدة الجزائر العمالقة الذي ارتبط اسمه بالتعريب ساهم بكتابة تاريخ الجزائر أثناء مفاوضات ايفيان، حيث رد على الذين يحاولون بث البلبلة في عزل الصحراء، فكان صانعا للحدث ثم مؤرخا لها. فكان من السياسيين القلائل الذين جمعوا الثقافة والمعرفة، حيث كان ينتقد وهو مسؤول، كان يمتلك وجهات نظر في العديد من الأشياء البعيدة، ترك بصمات في كتبه: ]الأصالة1 -2.[ كان الرجل المتطلّع إلى المستقبل والحالم بالغد، ولكن الرجال يذهبون بقدر وتنتهي أعمارهم بأجل مسمى وتطوى صفحات مجدهم، تركوا لنا الجزائر أمانة في أعناقنا فلنحافظ عليها. كان يطمح إلى جهاد وجهود من أجل التعريب يصعب عليه أن يعرف بأن الرجل يتقن اللغات العالمية. كان حريصا كل الحرص أن يعيد للغة العربية مكانتها ومجدها. ومن أهم أعماله في هذا المجال هو تولي على إصدار مجلة الأصالة. توفي مولود قاسم يوم 27 أوت 1992. ترك الكثير من المحاضرات والمقالات والمؤلفات. -الأمة والأصالة. -أصالة أم انفصالية. بعض مآثر أول نوفمبر. رحمة الله عليه مولود قاسم وسلام الله عليك في الخالدين. طبت حيا وطبت ميتا، وضاعف الله أجرك.