منذ التفجيرات التي شهدتها الولاياتالمتحدة في 2001 تغيرت مسارات العلاقات الدولية بشكل ملحوظ ومذهل، باعطاء الأولوية لما يسمى بمحاربة الارهاب في هذا العالم، واستبعد السلام الى اشعار آخر. ادارة بوش قادت هذا المنطق الحربي، بعد أن انهار مفهوم الأمن القومي الذي يعد القاعدة التي تبنى عليها كل السياسات العسكرية الأمريكية لمواجهة الأعداء في الخارج، هذا التوجه اصبح ثابتا من ثوابت الولاياتالمتحدة ولايستطيع القفز عليه أو التخلي عنه، فادارة أوباما ليس أمامها اي خيار آخر سوى مسايرة هذا الواقع المفروض عليها، بحكم المتغيرات الحاصلة في العالم اليوم. حماية الأمن القومي عند الأمريكيين يعني أن المعركة يجب أن تنقل الى أرض العدو، ولا ينبغي أن تكون في الأراضي الامريكية أبدا، وهذا فعلا ما يحصل اليوم في افغانستان بالتحديد، والعراق بدرجة اقل، الامر لم يتوقف عند هذا الحد بل أن الولاياتالمتحدة قامت بتحييد ظلما العديد من البلدان وفق إجراءات ردعية وأكثر من هذا زجرية، على مستوى حدودها ومطاراتها، وعمليا فانها أغلقت منافذ الدخول اليها بواسطة جهاز المسح الضوئي »سكانير« ضد الرعايا الأجانب التابعين ل 14 بلدا.. وهذا كله باسم حماية الأمن القومي الامريكي، دون مراعاة تداعيات مثل هذا الاجراء على صعيد آخر. وحتى الآن فان المنطق الحربي الذي فرضه بوش أصبح هو المرجعية في السياسة الدفاعية لأمريكا، بمعنى بعد مرور سنة و 20 يوما عن استلام أوباما لمهامه، فان هذا الاخير لم يستطع أن يضع بصماته الواضحة على هذه السياسة الأمنية مكتفيا برتوشات سطحية جدا، لا تتعدى الحديث عن الأرقام أي كم من جندي سنرسله لافغانستان؟ وكم من عسكري سنسحبه من هذا البلد؟ للأسف هذا خطاب أوباما اليوم الذي لا تجد فيه اثر لقيم صناعة السلام في هذه المعمورة، بقدر ما تقف على اتجاه ينفر المجموعة الدولية من ما يصدر يوميا عن أمريكا من تهديدات ضد كل واحد. وفي خضم هذه التناقضات الصارخة في السياسة الخارجية الامريكية فانه لا يمكن للمجموعة ابداء أي تعاون فعلي لمحاربة الظاهرة الارهابية العابرة للقارات، ما دام أنها تتصرف بشكل أحادي وحتى أناني في التعامل مع الارهاب. وما اتخذ من قرار انتقائي في اضافة البعض في هذه القوائم الملعونة، هذا لا يعني أبدا أن مشكل الارهاب ينتهي بالمعالجة التقنية، هذا خطأ يرتكب حاليا، وعلى المسؤولين الأمنيين الامريكيين الانتباه لذلك، وفي اقرب وقت من أجل الغاء تلك القائمة، وشطب البعض من البلدان منها الجزائر خاصة التي تعتبر نموذجا رائدا في مكافحة الارهاب، وترفض رفضا قاطعا أن يتجرأ البعض على إدراجها في »القائمة السوداء« وهي التي كانت تحذر المجموعة الدولية ومنها أمريكا وبعض البلدان بأن الارهاب على أبوابهم، وسيضربهم في أي لحظة ويلحق بهم أضرارا بشعة لكن لا حياة لمن تنادي آنذاك الكل كانوا يرفعون شعار »النار بعيدة عن الدار« لكن اليوم تغير كل شيء ودخل العالم في حرب مع الارهاب تقودها أمريكا. الجزائر البلد الوحيد في التسعينات الذي كان يمتلك بنك معلومات ثري عن الظاهرة الارهابية، مما ساعد في كبح جماحها، في حين أن الولاياتالمتحدة لم تتفطن لذلك الا بعد ,2001 سنة تفجيرات نيويورك... لتتحرك في كل الاتجاهات مطالبة بمعلومات ومعطيات عما يجري هنا وهناك، واعترفت بأنها كانت متأخرة في معرفة طبيعة نمو الارهاب في بعض البلدان، ونستغرب اليوم كيف تدرج الجزائر في قائمة الدول التي يتعرض رعاياها لتفتيش دقيق عند ذهابهم الى هذا البلد، هذا تنكر لكل المساعدات التي قدمتها لهم الجزائر في السابق. ونأمل أن كل المساعي الجارية بما فيها زيارة جانيت ساندرسون، ومسؤولة أمريكية ثانية الي الجزائر ولقاءات بلخادم مع جون كيري وكلينتون أن تؤتي ثمارها في أقرب وقت لأنه لا يعقل ان يقبل الجزائريون بهذا الخلط الأمريكي. على إدارة أوباما ان تتحرر من القيود التي تركها بوش وهذا باتجاه صناعة السلام بدلا من الاقدام على الحرب، فمشكلة الولاياتالمتحدة هي مع الارهاب وليس مع الدول ال 14 المدرجة في قائمتها السوداء، عليها أن تتفطن لهذه الانتقائية المستندة الى تضييق العالم، هذا ارهابي وهذا غير ذلك، هذه مغالطة ستزيد في اضفاء جو من الشحناء في العلاقات الدولية، قد تصل الى تقوية الاتجاه المتطرف في العالم، على حساب مبادىء السلم والأمن، ومخالفة مهام الأممالمتحدة في القيام بالصلاحيات المخولة لها في هذا المجال.