عبروق.. حارس كبير ارتبط اسمه بالجيل الذهبي لشباب بلوزداد خلال سنوات الستينيات والسبعينيات، وواحد من اللاعبين الذي صنعوا أمجد هذا النادي والكرة الجزائرية ككل بعدما حرس مرمى المنتخب الوطني أكثر من عشرية من الزمن، لكنه اختفى عن الأنظار في السنوات الأخيرة وتحول للعيش كمواطن عادي، الأمر الذي دفعنا للبحث عنه والالتقاء به للوقوف عن قرب على وضعيته الاجتماعية. تحول للعمل كسائق أجرة من أجل الحصول على قوت العيش وقد كانت مفاجأتنا كبيرة عندما علمنا أن هذا الحارس العملاق، الذي ارتبط اسمه بأمجاد الكرة الجزائرية، أصبح يشتغل كسائق سيارة أجرة، بعدما اعتزل الميادين وفضّل التحول إلى مواطن جزائري عادي رغم أنه قضى كل شبابه ونصف عمره في الميادين الكروية، ولعل الغريب في الأمر هو أنه لا أحد اتصل به أو حاول معرفة العراقيل التي يواجهها في يومياته نظرا لحالته الإجتماعية الصعبة، خاصة إذا أكدنا أنه واجه صعوبات للحصول على قرت عيشه ورخصة السياقة للعمل "طاكسيور"، لولا أحد المحسنين الذي تعرف عليه صدفة، وهو ما يؤكد الصعوبات التي واجهها اللاعبون السابقون مقارنة بلاعبي الجيل الحالي. بدأ الكرة في شارع "سارفانتاس" وقد بدأ عبروق الذي ولد بحي "سارفانتيس" ببلكور، ممارسة كرة القدم في الشارع مثل كل اللاعبين الجزائريين الكبار، حيث كان يلعب في "الڤودرون" مع أبناء الحي كحارس مرمى قبل أن يتنقل للعيش في حي المحصول بالمدنية "صالومبي"، وبعد الاستقلال انضم لفريق راسينغ جامعة الجزائر الذي كان ينشط فيه كمدافع أيمن، غير أن موهبته كحارس مرمى قادته للتألق بعدما علم أن فريق شباب بلوزداد الذي تأسس حينها كان دون حارس، فذهب لتجريب حظه ووفق في ذلك، ليصبح بعدها الحارس الأول للنادي رغم صغر سنه. لعب مع الجيل الذهبي لبلوزداد وفاز بعدة ألقاب وقد كشف عبروق عن موهبته في حراسة المرمى منذ أول يوم له في شباب بلوزداد، حيث قام مدربه آنذلك أحمد أعراب بترقيته للأواسط رغم أنه كان مع الأشبال، قبل أن يصل إلى الأكابر ويصبح الحارس الأول للنادي، حيث خاض 18 مباراة في أول موسم له وتوج بلقب البطولة الوطنية رفقة نجوم بلوزداد آنذاك، كما قاد النادي إلى تحقيق عدة إنجازات من بينها الثلاثية التاريخية موسم 69/70 البطولة، كأس الجمهورية والكأس المغاربية. انضم لمنتخب الأواسط وأصبح الحارس الأول للخضر تألق عبروق مع الشباب البلوزدادي لم يمر دون أن يلفت أنظار مدربي المنتخب الوطني الذين استدعوه لمنتخب الأواسط، الذي لعب وتألق فيه أيضا بشكل لافت قبل أن يصل إلى المنتخب الوطني الأول، حيث أصبح الحارس الأول في الجزائر وهو الذي لم يكن يتعدى سنه ال21 عاما، ولعب مع الخضر المرحلة النهائية لكأس إفريقيا سنة 1968 بإثيوبيا، كما أنه فاز بعدة ألقاب مع شباب بلوزداد، جعلته يكتسب خبرة إضافية ساعدته في مشواره الكروي. اختير أفضل رياضي في الجزائر سنة 1970 وقد حاز عبروق، الذي كان يلقب بالحارس الظاهرة في سنوات الستينيات والسبعينيات، عدة ألقاب مع فريقه وحقق عدة إنجازات شخصية، حيث تم اختياره موسم 1969/1970 كأحسن رياضي في الجزائر، بعدما قاد فريقه للتتويج بالثلاثية التاريخية، كما أنه كان مساهما في الانتصارات العديدة التي حققها الفريق، قبل أن يتحول إلى عالم التدريب بعد اعتزاله، حيث نال شهادة مدرب عام 1975 وقام بتدريب بعض الأندية من بينها فريقه شباب بلوزداد. يعشق مهنة تدريب الحراس لكنه ابتعد عن الميادين ولمسنا من خلال زيارتنا لعبروق، أنه يعشق مهنته السابقة وهي تدريب الحراس الشبان، حيث أكد أنه يحب العمل في التكوين مع الفئات الشبانية حتى يساهم في نقل خبرته الكبيرة في الميادين إلى الجيل الصاعد من الحراس، خاصة وأن الحراس الكبار ليس لديهم ما يتعلمونه ويرفضون النصائح والتعليمات الموجهة إليهم، غير أن الحارس الأسطورة للشباب لم يتمكن من تحقيق حلمه بعدما اضطر للابتعاد عن الميادين لعدة أسباب متعلقة بوضعيته الإجتماعية والتزاماته المهنية، خاصة وأنه لم يتلق عروضا مُغرية في ظل عزوف الأندية عن التكوين. أغلى لاعب في البطولة حاليا حارس مرمى .. وعبروق يعمل "طاكسيور" وقادتنا الحالة الإجتماعية الصعبة التي يوجد عليها عبروق، الحارس السابق للخضر، إلى إجراء مقارنة بسيطة بين ما حققه هو وأبناء الجيل الحالي من اللاعبين، لأن رؤية عبروق يصارع غلاء المعيشة والمشاكل اليومية بعدما تحول للعمل ك"طاكسيور عادي" يدعو للتساؤل فعلا عما جناه من كرة القدم، في وقت نجد فيه لاعبو اليوم يتمتعون بالسيارات الفاخرة وب"الفيلات" الفخمة، كما أن المفارقة العجيبة هي أن أغلى لاعب في البطولة الوطنية حاليا هو حارس مرمى وفاقت قيمته الملياران، وهو الذي لا يضاهي عبروق من حيث الإمكانات البدنية والفنية والألقاب المتحصل عليها. كرة القدم ناكرة للجميل ولو لعب حاليا لامتلك الملايير صحيح أن كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وصحيح أنها تمكّن اللاعب من معرفة الرجال ودخول عالم الشهرة والثراء، لكنها أيضا رياضة ناكرة للجميل، لأن العديد من اللاعبين الذين قضوا شبابهم ونصف أعمارهم فوق الميادين من أجل خدمة الكرة الجزائرية وجدوا أنفسهم اليوم منسيين بعدما تنكر الجميع لخدماتهم وتضحياتهم، والحارس العملاق عبروق، يعتبر واحدا من بين المئات ممن أصبحوا يصارعون متاعب الحياة، بعدما كانوا نجوم الكرة في زمانهم، ولو لعبوا في مثل الظروف التي يتمتع بها لاعبو الجيل الحالي لامتلكوا الملايير، خاصة وأن إمكاناتهم الكبيرة لا يختلف عليها إثنان * لقراءة الحوار مع الحارس الدولي السابق عبروف .اضغط هنا