لم يفوت الكثير من الجزائريين فرصة التحضيرات لأعياد رأس السنة الميلادية رغم تزامنها مع عيد الأضحى المبارك و ما يصاحبه من تكاليف شراء الأضحية ،فالصورة ذاتها تتكرر عبر كامل أحياء العاصمة و المدن الكبرى فالأسواق فتحت أبوابها على مصراعيها لاستقبال هذه المناسبة السعيدة بفضل ما تعرضه من حلويات و لوازم الزينة ولن تتعب كثيرا في البحث عن الحلويات و الشكلاطة "القريفة" و كافة اللوازم الأخرى: فجورب بابا نوال موجود بلونيه الأحمر و الأبيض الأخاذين و حتى عربته بدأت تتردد على بعض المدن كما الحال في تيزي وزو ،فمن محمد بلوزداد و باب الواد إلى أعالي حيدرة و سيدي يحيى اختصرنا المسافات و حاولنا عكس ملامح هذه الاحتفالات التي دأب عليها الشباب الجزائري عبر كامل الأحياء وامتدت العدوى لتطال المدن الداخلية للبلاد. فرصة ذهبية للربح المتنقل عبر أسواق الأحياء الشعبية بلوزداد،الحراش و باب الواد يلمس الإقبال الكبير من الزبائن على شراء لوازم الاحتفال على عكس ما يشاع ،و هو ما يفسر اكتساح باعة من نوع خاص يحترفون بيع الحلويات و أنواع الشكلاطة الفاخرة إلى جانب التراز و المكسرات و الأسعار معقولة نوعا ما إذا علمنا أن شكلاطة البابا نوال لا تتعدى 150 دج (حسب الحجم) في أحسن الأحوال أما المكسرات فسجلت قفزة كبيرة حيث وصل ثمن اللوز و الجوز و البندق إلى ما فوق 1300دج. خالد أحد هؤلاء الباعة الذي اعتبر الفرصة مصدرا آخر للاسترزاق بما أن مداخليه خيالية ويقول:"أنا بزناسي و أعمل بحسب المناسبات و الفصول طالما الأعياد صارت لاتنتهي بالجزائر ، وكما ترون أنا اليوم أفترش هذه المساحة من الأرض لأقدم لزبائني أفضل ما يوجد بالسوق اليوم ،أما زبائني فمن فئات عمرية مختلفة بين الشباب و حتى النساء و العجائز اللواتي يحبذن إسعاد أبنائهن و أحفادهن في هذه الليلة المميزة ،فتجدهن يقتنين أشكالا مختلفة بكميات كبيرة دون إعطاء أهمية للأسعار ،مما يزيد من فرص ربحي"وعن سؤالنا له حول طريقة احتفاله أخبرنا أنه يفضلها على الضيق مع بعض أبناء الحومة و بعيدا عن كل الموبقات و المسكرات لو أن الجميع اتفق على ضرورة إحيائها على غرار شباب الجهة الأخرى من البحر. أما الحاجة "زينب"التي كانت بصدد شراء المكسرات بسوق ميسوني الشعبي فهنأتنا بالعام الجديد واعتبرت الاحتفال رمزي اعتادت عليه منذ سنوات طويلة:"يا ابنتي لقد اعتدنا مثل هذه الاحتفالات لأننا اليوم بحاجة إلى مناسبة سعيدة تنسينا آلامنا و همومنا و تقرب ما أفسدته تباعد المسافات وانشغالات الناس ،فهي فرصتي الوحيدة لألتم على أبنائي و بناتي و أحفادي،و هذه السنة تصاحب العيد الأضحى المبارك لهذا سأضمن اجتماع كل أبنائي ولذات السبب أحاول شراء كل ما قد يشتهونه و أريدها ليلة مميزة "ولما بادرناها بالسؤال عن حكم الاحتفال بهذه المناسبة شرعا ضحكت مضيفة(نحن مسلمون و الحمد لله و إحياؤنا لليلة السنة بعيدة عن كل ما هو حرام إنما نكتفي بتحضير الرشتة بالدجاج المحمر الذي سنعوضه هذه السنة بالمشوي ، إضافة للمشروبات الغازية و المرطبات مع أمنيات نهاية السنة و في أحيان كثيرة ينام الأبناء قبل أن تدق الساعة الصفر ). أللي عندو كل يوم عيدو فئة أخرى أردنا جس نبضها و معرفة كيفية قضائها لهذه الليلة و هي فئة الفتيات الجامعيات ،ومن خلال حديثنا مع "سهيلة"و "ابتسام"استطعنا الوصول إلى حقيقة مفادها أن التقليد الأعمى للغرب هو المسيطر على عقول الشباب ،فسهيلة تمنت لو كان بإمكانها قضاء الليلة بالحي الجامعي رفقة زميلاتها نظرا للبرنامج الثري الذي تقدمه الأحياء الجامعية للاحتفال بهذه المناسبة ،فالفتيات بإمكانهن الرقص و الغناء و التمتع إلى ساعات الفجر الأولى بدون رقيب ،في حين هي مضطرة لقضاء ليلتها وسط العائلة التي لاتعترف بمثل هذه المناسبات و تعتبرها تبذيرا و مجونا ،مما سيحرمها من الكثير. أما "ابتسام"فاسترسلت قائلة:"ألي عنده كل يوم عيده" فالعام الماضي قضيت الليلة برفقة صديقاتي داخل الحي الجامعي وذهلت بحجم الاستعدادات و الطرق المتمايزة من فتاة لأخرى ،فهناك البعض منهن يدخرن الأموال لهذه الليلة لشراء فساتين السهرة بما أن جزء كبيرا منهن يقضين ليلة الميلاد خارج حدود الحي الجامعي برفقة أصدقائهن في أرقى الفنادق و المطاعم العاصمية ". المشوي و البيرة و أبواق السيارات..موضة الاحتفالات تختلف مظاهر الاحتفال من منطقة إلى أخرى ،فشباب الأحياء الشعبية تغلب على احتفالاتهم أجواء الملاعب بالنظر إلى الكم الكبير من المفرقعات و الألعاب النارية المستهلكة خلال هذه الليلة إلى جانب استهلاكهم لبعض المشروبات الكحولية كالبيرة و الفودكا هذه الأخيرة التي يشترك في شرائها أكثر من شاب لغلاء ثمنها ، فالعاصمة تتحول خلال هذه الليلة إلى ملعب كبير بالنظر إلى الحشود الكبيرة من الشباب التي وجدت في الشارع ضالتها لإحياء الليلة هروبا مما تفرضه الاحتفالات داخل الأماكن المغلقة . فما كانت تنقله شاشات التلفزيون من مظاهر الاحتفال بساحات "فاندوم و قوس النصر الباريسية"و"سنترال بارك الأمريكية"أصبح واقعا بالجزائر ..الهول ..الهول..الهول أما م الأهازيج و أبواق السيارات و زغاريد "البابيش" مما يشل حركة السير و يتسبب في بعض الأحيان في حوادث مميتة كما حدث في السنتين الماضيتين بسبب تأثيرات الكحول و هذا تأثرا بما يشاهدونه عبر القنوات الفضائية فالبيرة و الراي سيدا الحفلة دون منازع ،و بالصعود قليلا نصل لشباب الطبقة الراقية الذين يعتمد احتفالهم بالدرجة الأولى على "المشوي"و لكن ليس أي مشوي ؟فهو خروف يشوى عند الخباز و يسقى بالنبيذ ،ولدى ترددنا على مخبزة بحيدرة أخبرنا صاحبها أن عمليات الحجز تمت منذ أشهر و عن ثمن شواء الكبش فيصل 7000دج ،أما الشكلاطة فمتوفرة بكل الأنواع بدء من "فير يرو روشيه"إلى "نيسلي"بأثمان خيالية تتراوح بين 400الى 8000دج و نقصد هنا الشكلاطة السويسرية طبعا التي يتهادى بها هؤلاء ،حيث تكون السهرات عموما في البيوت باختلاط الجنسين وسط الصخب و الأغاني الإباحية التي تميز هذه الليلة الملتهبة. وان كان أبناء الأحياء الشعبية يلجؤون إلى الشارع لأنه أقل تكلفة ،فأبناء الأحياء الراقية يحبذون قضاء ليلتهم في أحد المراقص التي تجذب الشباب الذين تتراوح أعمارهم مابين 16 و 28 سنة بسبب أجوائها الريتمية المجنونة المعتمدة على "الديجي "الغربية مائة بالمائة. من الباشا والزوم إلى النوبة و السلطان إبراهيم ربما هي أسماء غريبة و لكنها أسماء لأرقى و أشهر المراقص بالعاصمة التي يرتادها أبناء طبقة "الهاي كلاس"و توجهنا بالسؤال إلى الآنسة إيمان عبد الكافي المكلفة بالإعلام و العلاقات الخارجية بفندق الشيراتون حول الاحتفالات ،قسمت المحتفلين إلى فئتين فئة تحت الثلاثين التي تفضل مرقص ستار أستوديو للفندق لأجوائه الشبابية و ثمنه 7500دج لاغير،أما فئة مافوق الثلاثين فتفضل المطاعم ،وهذا العام يقدم الشيراتون ستة برامج مختلفة لكل مطعم على حدا بثمن يصل إلى 14000دج للشخص الواحد . وللملاهي الليلية جمهورها المميز من أصحاب المزاج التي تمتاز بطقوس خاصة التي تصل طاقة الاستيعاب فيها إلى ذروتها إن لم نقل تتعداها بكثير لدرجة أنك إذا ألقيت إبرة يصعب وصولها إلى الأرض،فبالرغم من أن مثل هذه الأماكن المشبوهة شهدت انحصارا و تقوقعا في الآونة الأخيرة بفضل حملات المباغتة التي تشنها قوات الأمن من حين لأخر بسبب توظيف هذه الأماكن للقاصرات وارتفاع مستويات الشذوذ بها ،فإن معظم الملاهي الليلية بالعاصمة مثل "غابة ديكارت"،"الأقواس"،"البارادو"،"الفوجي ياما" و "النوبة"،"البستان" ،"السلطان إبراهيم"تكلف قاصدها أكثر مما يدفعه في فندق خمس نجوم لأن السهرة تبدأ بوجبة العشاء تليها السهرة الفنية بحضور الراقصات و من ثمة العد التنازلي لتوديع السنة و المتوسط حسب صاحب ملهى ببرج البحري يصل 10000دج للشخص الواحد بغض النظر عما يعرف "بالرشقة"التي لها ميزانية خاصة وفي هذا الصدد يؤكد محدثنا أنه قبل سنتين وصلت الرشقة على مغنية شابة معروفة إلى 24مليون سنتيم . وحسب صاحب نفس الملهى فالمشروبات الكحولية و على رأسها الويسكي الذي يفوق ثمنه 9000دج وتليه ماركات الشومبانيا المختلفة التي تقدم حسب ثقل جيب الزبون و القعدة ،أما القاسم المشترك بين كل هذه المراقس و الملاهي و الفنادق فهي حلوى "لابيش" التي تزين الليلة بشموعها و الأماني التي يطلقها هؤلاء لتوديع السنة الحالية و استقبال السنة 2007الجديدة . يوجد في النهر مالا يوجد في البحر غير أن المميز هذه السنة هو انتقال الأجواء الاحتفالية و الاستعدادات من المدن الكبرى كوهران و العاصمة و عنابة إلى بعض المدن الداخلية المعروفة بمحافظتها على التقاليد و الأعراف بحكم المجتمع الريفي المغلق ،فالعدوى طالت المدن الداخلية اليوم مثل باتنة و سطيف و سعيدة ، مثلما الحال بمدينة برج بوعريريج ،وفي هذا السياق حدثنا صاحب مطعم"لاماركيز"عن حملة الدعاية الكبيرة التي شنها في الأشهر القليلة الماضية بفضل البرنامج الذي سيقدمه لزبائنه بحضور كبار النجوم المعروفين أمثال "عراس"،"رضوان"،"هشام"و الشابة سهام العباسية ،وعن سؤالنا له حول سر تمكنه من إحضار كل هؤلاء النجوم قال محدثنا أنه يوجد بالنهر ما لايوجد بالبحر ،فالأغنياء جلهم من أبناء المناطق الداخلية و يستطيعون تغطية المصاريف لها مما يكسب المحل أرباحا تغطي أجور المطربين و تزيد ،و يؤكد أنه بإمكانه ضمان نفس الأجواء الاحتفالية بالبرج و يوفر بهذا نفس الحرارة الاحتفالية كما الحال بالمدن الكبرى. إجراءات أمنية مشددة لاحتواء الوضع وكثيرا ما يفلت زمام الأمور و تخرج الاحتفالات بهذه المناسبة عن الإطار الأمني نظرا لارتفاع حالات السكر و النزاعات التي تقوم في أغلب الأحيان بين الشباب بسبب الفتيات أو الاكتظاظ في الطرقات إذا علمنا أن العاصمة تغلق ليلا بالنظر للعدد الكبير للسيارات التي تخرج للاحتفال في الشوارع و ما يصاحبها من فوضى و أغاني و هتافات ،ولتدارك ما حدث في السنوات الماضية من حوادث مرورية قاتلة و اعتداءات بالأسلحة البيضاء في صفوف بعض الشباب المحتفل على مستوى شواطئ زرالدة و دواودة البحرية و برج الكيفان، و ضمانا للأمن في الشوارع و الأحياء سطرت مصالح الأمن برنامجا وقائيا للحيلولة دون تسجيل ضحايا وسط الشباب و في هذا السياق يؤكد الرائد حملاوي أن مصالحه ضاعفت من تشكيلتها الأمنية عبر كل الطرق المؤدية من و إلى العاصمة بزيادة أربع وحدات للتدخل السريع تنشط على مستوى الجهة الغربية للعاصمة بحكم تواجد أغلب المركبات السياحية و الملاهي الليلية و المراقص بها ،خصوصا و أن الاحتفالات هذه السنة تتزامن و عيد الأضحى المبارك،مما يستدعي مزيدا من الحيطة و الحذر. ح.راضية/ب.سمير