عبد المومن خليفة تحصلت جريدة الشروق اليومي على تفاصيل التحقيق القضائي، الذي استكمل في الايام القليلة الماضية، حول محطات تصفية مياه البحر التي استوردها عبد المومن خليفة من الخارج والتي كلفت الخزينة العمومية خسائر قدرت بأكثر من 65 مليون أورو، وكيف تحايل الملياردير الفار على الجزائريين الذين أوهمهم بالقضاء على أزمة العطش بتحلية مياه البحر، وكيف حولت أموال المدخرين لشراء فيلا "كان بفرنسا" بتكلفة 35 مليون أورو، وأموالا أخرى استفاد منها سعوديون. * الخليفة اشترى "فيلا" في فرنسا بأموال المحطات وحظي باستقبال الرؤساء في السعودية ولبنان* شخص أمريكي الجنسية فاوض المسؤولين الجزائريين على أنه مستشار أمير سعودي يملك شركة تجهيزات الموانىء يقف الإعلامي اللبناني راغد الشماع، الذي كان يشغل منصب المستشار الخاص لعبد المومن خليفة وراء هذا الاحتيال الكبير على السلطات العليا في البلاد، ووصل الامر الى حد إشراف رئيس الجمهورية يوم 27 ماي 2002 على وضع حجر الأساس لإنجاز أول محطة لتصفية مياه البحر المحلاة، لكنه سرعان ما اكتشفت الفضيحة بعد ان رفض وزير الموارد المائية السابق عبد المجيد عطار الموافقة على تجسيد المشروع، حيث تحركت رئاسة الجمهورية فورا بتكليف الوزيرة المنتدبة المكلفة بالإصلاح المالي فتيحة منتوري بالتحقيق في الملف، والذي خلص بأن عبد المومن خليفة تحايل على الجزائريين. عبد المومن خليفة استغل أزمة العطش في بداية سنة 2002 شحت السماء وقلت الأمطار، وتقلص حجم المياه عبر سدي قدارة والحميز اللذين كان يمولان العاصمة بمياه الشرب، ولم يكن على مسؤولي مؤسسة الجزائرية للمياه التي كانت تشرف على تسيير المياه بالعاصمة سوى قطع الماء على عشرات الأحياء، لأيام عديدة، بل أن الحنفيات جفت عبر عدد كبير من الأحياء، ليخرج المواطنون في حركات احتجاجية واسعة، قطعوا من خلالها الطرقات ووضعوا المتاريس، وكان الأمر يتزامن مع تصعيد الحركة الاحتجاجية بمنطقة القبائل، هذا الأمر أثار انتباه عبد المومن خليفة الذي راودته أفكار تجارية من صميم استغلال الواقع المرير للجزائريين وقرر استشارة معاونيه للقضاء على الأزمة وتوفير المياه لسكان العاصمة. ففي سنة 2002 أخطر رفيق عبد المومن خليفة السلطات العمومية عن نيته دخول مجال الري والمياه وعزمه استيراد خمس محطات لتحلية مياه البحر، هذه الفكرة كانت تبدو جديدة ومثيرة وفيها كثير من الحلول الافتراضية الجاهزة لأزمة المياه. فما كان من السلطات إلا أن وفرت له كل التسهيلات الممكنة، هذا الأمر تزامن أيضا مع نية السلطات في إنجاز 21 محطة لتحلية مياه البحر، ولما لا يتقاسم عبد المومن خليفة بدوره "الطورطة" بالاستحواذ على جزء كبير منها. وقد أراد عبد المومن خليفة دخول الاستثمار في مجال الماء عن طريق فرع الخليفة للبناء التي ستحمل على عاتقها. الأموال خرجت من بنك الخليفة قبل التقدم بالطلب كشف التحقيق القضائي في هذه الفضيحة أن العملية شرع فيها في عهد حكومة علي بن فليس سنة 2002 التي أعطت موافقة مبدئية على ذلك، وقد انطلقت العملية فعليا يوم 30 مارس 2002 بمقر وزارة الطاقة والمناجم من خلال اجتماع عقد بمقر الوزارة. وفي يوم 04 مارس 2002 أودع عبد المومن خليفة طلب تمكينه من الحصول واقتناء محطات لتصفية مياه البحر، وأودع ملف لدى الوكالة الرئيسية لبنك الخليفة بالشراڤة. وفي ظرف ثمانية أيام بعد ذلك، أي يوم الاثنين 11 مارس، تكفل ممثل عن فرع الخليفة للبناء بالاتصال بالمصالح المعنية وكلف بالاتصال بوزارة الموارد المائية ليخبره بالمشروع، لتطلب مصالح الموارد المائية من ممثل الخليفة للبناء تقديم الملف الكامل لهذه العملية، وأعطت لهم موعدا ليوم 30 مارس 2002 بمقر وزارة الطاقة والمناجم من أجل إنهاء الملف ووضع اللمسات الأخيرة عليه.وكشف التحقيق أن الاجتماع حضره ممثلون عن وزارت الطاقة والموارد المائية وممثلان عن الخليفة بنك وشخص آخر أمريكي الجنسية يسمى "ستيفان وودس" هذا الأخير قدم خصيصا من جدة السعودية، وقدم نفسه على أساس انه المستشار الخاص للأمير سعود بن سعد بن محمد بن عبد العزيز الذي كان يملك شركة لبيع تجهيزات الموانئ.وقد قدم ممثلو الخليفة الطلب لمصالح الوزارة، وتعهدوا باقتناء خمس محطات لتصفية مياه البحر خلال الأسبوع الثاني من شهر جوان من نفس السنة. مسؤولو الخليفة فكروا طويلا في مكان تجسيد المشروع إلى أن وقع اختيارهم على منطقة الحامة بالعاصمة، وتم اختيار المكان من طرف عبد المومن خليفة شخصيا، بالرغم من اعتراض ممثلي وزارة الموارد المائية والطاقة والمناجم على المكان، على اعتبار أن المنطقة تقع بمحاذاة الميناء الذي يعتبر من أكبر المناطق البحرية تلوثا في الجزائر، غير أن الأمر استقر على منطقة الحامة، بالرغم من هذا الاعتراض الذي تقدم به ممثلو الوزارتين، وذلك بعد تدخل أحد مستشاري عبد المومن خليفة الذي صرح في الاجتماع بأن المجمع تلقى ضمانات من طرف رئاستي الجمهورية والحكومة معا لتجسيد المشروع في منطقة الحامة، ولم يجد ممثلو الوزارتين من أمر سوى الرضوخ للأمر الواقع. كيف تحايل عبد المومن على الدولة الجزائرية الآن وقد تمكن عبد المومن خليفة من اعتماد مشروعه، لم يبق سوى تجسيده وتلميع صورته أمام الرأي العام الوطني وكذا رئيس الجمهورية، ولم يجد من حل سوى كراء محطة صغيرة عائمة لتصفية المياه من الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويحاول عبد المومن إيهام السلطات بأن هذه المحطة هي عينة من المشروع الكبير الذي يريد تجسيده في الجزائر والقضاء على أزمة العطش في العاصمة. عبد المومن يستورد "الخردة" بأموال الجزائريين لتحلية مياه البحر الآن وقد أعطت السلطات الجزائرية إشارة انطلاق العينة الأول لإحدى محطات التصفية بالعاصمة، من أجل القضاء على أزمة العطش بها، بقي على بعد المومن تجسيد المشروع واقتناء الخمس محطات المتبقية من شركة "هوت سيت" السعودية المختصة في تجهيز الموانئ، لكن التحقيقات كشفت أن خمس محطات لتحلية مياه البحر قد تم اقتناؤها قبل إعطاء السلطات العمومية الموافقة الأولى على المشروع، إذ أن استيراد محطتين كلف الخزينة العمومية مبلغ 26 مليون ونصف المليون دولار والثلاثة المتبقية كلفت الخليفة 45 مليون. وقد قام عبد المومن خليفة بتحويل مبلغ خمسة ملايين أورو إلى بنك عربي بباريس بتاريخ 15 مارس، وخمسة ملايير أورو أخرى بتاريخ 29 مارس 2002، وقد وقع التحويل الثالث والمقدر بثلاثة ملايين ونصف المليون أورو بتاريخ 1 أفريل 2003 والرابع تم بتاريخ 28 ماي وقدر المبلغ المحول بخمسة ملايين أورو.أما المبلغ المتبقى والمقدر بثمانية ملايين دولار، فقد تم في سبتمبر 2002، أي خمسة أشهر بعد الزيارة التي قام بها عبد المومن خليفة لمدينة جدة السعودية ورافقه في تلك الرحلة، المفتش المساعد لبنك الخليفة "م.س". راغد الشماع... المحتال الذي استغل عطش الجزائريين يقف وراء هذه المشاريع الوهمية والتحايل الكبير الإعلامي اللبناني والحامل للجنسية الفرنسية، راغد الشماع، هذا الأخير هو الذي نظم لعبد المومن خليفة زيارته لمدينة جدة السعودية، وقد حظي رفيق عبد المومن باستقبال حار وكبير من طرف الأمير السعودي سعود بن سعد بن عبد العزيز، وسافر عبد المومن بواسطة طائرته الخاصة. وقد نظمت للملياردير الجزائري مأدبة غداء بقصر الأمير بجدة، وفي اليوم الموالي سافر عبد المومن إلى مدينة بيروت بلبنان، حيث كان راغد الشماع في انتظاره وحظي عبد المومن أيضا، باستقبال بالقصر الرئاسي بلبنان. وفي يوم الأحد 13 جوان 2003 وصلت إلى ميناء العاصمة محطتان من أصل خمس محطات لتصفية مياه البحر، وخوفا من أن يأكلهما الصدأ طالبت مصالح الجمارك وزارة الموارد المائية بضرورة التصرف في المحطتين، وهذا عن طريق استكمال الملف الخاص بهما، لكن وزير الموارد المائية في تلك الفترة عبد المجيد عطار رفض الموافقة على هذا الأمر وطلب توضيحات من مسؤولي الخليفة، لم يكلف عبد المومن خليفة نفسه عناء التنقل إلى مقر وزارة الموارد المائية من أجل توضيح الأمر وكلف مستشارين له بالتكفل بالقضية، وأبدى الوزير رفضا قاطعا للمشروع، خاصة تجسيده بمحطة الحامة، مؤكدا أن الملف الخاص باقتناء محطات التصفية ناقص ولم يتضمن سوى تكلفة المشروع، كان هذا الأمر قد حدث في وقت أن ثلاث محطات لم تصل بعد، وكانت تنتظر باليونان. لم يجد عبد المجيد عطار من سبيل سوى إخبار رئيس الحكومة آن ذاك، السيد علي بن فليس بالأمر، هذا الأخير طالب وزيره بالتصرف في الملف، وفي يوم 25 جويلية قرر مسؤولو الخليفة للبناء وضع المحطات بمنطقة زموري ببومرداس، لتكبد هذه العملية خسائر للخزينة العمومية قدرت ب 36 مليون دينار، بعد أن قررت الإدارة العامة للجمارك إخراج المحطات، وهي معفاة من الضرائب والجباية الجمركية. وقد شرع عمال فليبينيون في إنجاز المشروع بمنطقة زموري، غير أن المشروع توقف وتوقفت معه المحطتان بتاريخ 12 نوفمبر 2002، وسارعت وزارة الموارد المائية الى إيفاد خبراء من سويسرا لإجراء فحص للمشروع، ليتأكد بأن المحطتين غير صالحتين وأنهما عبارة عن "خردة" الامر وصل مكتب رئيس الجمهورية الذي غضب كثيرا على هذا الأمر، وقد كلف الوزيرة المنتدبة المكلفة بالإصلاح المالي فتيحة منتوري بالتحقيق في الملف، والذي خلص بأن عبد المومن خليفة تحايل على الجزائريين وضحك عليهم بخردة مقابل ملايين الدولارات.ثم تأكد بعد ذلك أن القيمة المالية للمحطتين هو ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار، وهذا ما وقف عليه مصفي الخليفة، وتأكد بأن الأموال المحولة خصصت لشراء فيلا في "كان" الفرنسية.