بقلم: ابن خلدون: IBN-KHALDOUN@MAKTOOB.COM لن أقتنع إلى يوم الدين أن بوش سار على درب نيتشه في كل بقاع العالم، لكنه غير هذا التوجه حين تعلق الأمر بمنطقتنا، أو أنه طلق فلسفة القوة في المدة الأخيرة. نيتشه دفعه حصان مقهور لنبذ فلسفته. أما بوش فلم يغير رأيه حتى بعد أن صدمته صور أبو غريب وغوانتانامو. الإنسان العربي عند بوش أحط من حصان نيتشه...! كرس الفيلسوف فريدريك نيتشه حياته للدفاع عن فلسفة القوة، والدعوة لمجتمع السوبرمان الذي يحق فقط العيش فيه للأقوياء الأصحاء لكي ترتقي مجتمعاتهم وتزدهر. أما الضعفاء و المرضى فعلى حكوماتهم العمل على التخلص منهم لأنهم يستهلكون جهد الأقوياء و وقتهم. وفي هذا استنزاف لثروات المجتمع. في أحد الأيام كان نيتشه في زيارة لشمال إيطاليا، فرأى رجلا يضرب حصانه بلا شفقة، لأنه عجز عن جر العربة في طريق صاعدة. فأشفق نيتشه على الحصان وأسرع مع المارة لدفع العربة، صابا جام غضبه على صاحب الحصان الغليظ القلب. يومها اكتشف نيتشه خطأ فلسفته، فندم على الترويج لها وتراجع عنها. دعاة فلسفة القوة كثيرون بدءا من ماكيافيللي إلى توماس هوبز، الذي دافع عن حكم الملوك المطلق، إلى هتلر الذي أراد أن يسود و يقود العالم بمنطق القوة. وحتى بعض المجتمعات تقول فيئات منها أنه لا يصلح لحكمها إلا نظام مبني على القوة. فالجزائريون مثلا حينما لم تعجبهم ديمقراطية الفوضى والعشرية السوداء وبعدها الحمراء قال الكثير منهم أن الجزائري لا تنفع معه إلا القزولة. وحددها بعضهم فقال: قزولة بومدين. في إشارة إلى أن فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين على عدم ديمقراطيتها أفضل بكثير من فترة العشريتين المواليتين على ديمقراطيتهما المزعومة. بوش المسكين ليس في مستوى نيتشه ليدرك خطأ الدعوة للقوة والاستمرار فيها. بل صار يؤمن بفلسفة أبعد من فلسفة نيتشه، وهي أن القوة حين تفشل لا بد لها من قوة أكبر. لهذا لم يتردد في اتخاذ قرارات حمقاء لاستعراض مزيد من القوة، منها زيادة عدد قواته في العراق بعشرين ألف جندي ، وهو قرار لا يشاطره فيه أحد إلاكونداليزا رايس. والواقع أننا لا ننتظر من ساسة أمريكا أن يكونوا يوما من الحمائم الداعين للسلام. لكن ما أستغربه هو محاولتهم إقناعنا أنهم حمائم. وهنا استسمح الأستاذ ع. بارودي لأعلق على ما كتبه في يومية البلاد بتاريخ الأحد 11/02/2007 عدد 2196 تحت عنوان " 28 دقيقة من الخارجية الأمريكية إلى مدونتي" قال فيه أن ردا على موضوع كتبه في مدونته على الإنترنت بعنوان : " قاعدة أمريكا وقاعدة المغرب الإسلامي" أثار فيه إلى مساعي أمريكا لإقامة قاعدة عسكرية بإفريقيا لشعورها بخطر القاعدة ( قاعدة بن لادن ) على مصادر النفط. وحسب الكاتب فقد جاءه الرد سريعا بعد 28 دقيقة من نشر الموضوع على المدونة من فريق التواصل الإلكتروني بوزارة الخارجية الأمريكية وبتوقيع وليد جواد، وهو أمريكي من أصل لبناني، الذي أوضح للأستاذ بارودي " أن أمريكا لا تنوي التوسع عسكريا في شمال أفريقيا " وحجته في ذلك: 1- أن علاقات أمريكا جيدة بدول شمال أفريقيا وإن هذه الأخيرة تقوم بدور فعال في الحرب على الإرهاب. 2- أن الولاياتالمتحدة ليست لديها أطماع نفطية في المنطقة، لأنها تحصل على غالبية احتياجاتها النفطية من مصادر خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى نسبة جد بسيطة من الجزائر تقدر ب 7.5 مليون برميل من أجمالي 295 مليون برميل. وإذا كنت أشاطر الكاتب سرعة رد الإدارة الأمريكية عليه، وأن هذه السرعة هي أضعاف سرعة رد الإدارة الجزائرية على مواطنيها. وإذا كان هذا ما لفت انتباه صاحب المقال فإن لي أن أعلق على أمر آخر ببراءة الأطفال: إن ما كتبه الأستاذ بارودي كان تعليقا وليس طلبا موجها للإدارة الأمريكية للرد عليه. ورغم هذا تكرمت بالرد تطوعا عن طريق فريق التواصل الإلكتروني بكتابة الدولة. وهنا لابد من القول أن هذا التكرم هو تمرير لرسالة معينة لن نتركها تمر هكذا لأنها تحمل مغالطات كبيرة. إن مالا تريد أمريكا ولا تنوي فعله في منطقة المغرب العربي شأن يخصها. ولا داعي لفريق التواصل الالكتروني الترويج لهذا الطرح. ما نريد أن نعرفه هو ما تنوي الإدارة الأمريكية فعله في منطقتنا. هذه الإدارة التي لن تقنعني على الإطلاق إن قالت أنها لا تنوي فعل شيء في المنطقة. لأن موقع المغرب العربي الإستراتيجي يضعه حتما في حسابات الإستراتيجية والإستراتجية العليا للولايات المتحدة. بل إن أمريكا لو قالت لنا أنها لم تدخل منطقة المغرب العربي في حسابات إستراتيجيتها لكان ذلك بمثابة شتم لنا وانتقاصا من قدر منطقتنا الإستراتيجي... لن أقتنع إلى يوم الدين أن بوش سار على درب نيتشه في كل بقاع العالم، لكنه غير هذا التوجه حين تعلق الأمر بمنطقتنا، أو أنه طلق فلسفة القوة في المدة الأخيرة. نيتشه دفعه حصان مقهور لنبذ فلسفته. أما بوش فلم يغير رأيه حتى بعد أن صدمته صور أبو غريب وغوانتانامو. الإنسان العربي عند بوش أحط من حصان نيتشه...! ولأن فريق التواصل الإلكتروني تطوع ليخبرنا بأنه لا برامج لأمريكا بمنطقتنا فنحن من جهتنا نتطوع ونقول أن البرامج موجودة. وحديثهم عن استيراد النفط من جهات أخرى من العالم حديث آني لا ينطبق على المستقبل. فهذا المستقبل يقول أن أفريقيا ستكون ثاني أكبر مصدر لإنتاج البترول على المستوى العالمي. والتعاون الجزائري الأمريكي لن يقتصر على 7,5 مليون برميل من النفط التي تستوردها أمريكا من الجزائر. فكما يذكر الدكتور بشير مصيطفى تقدمت حصة الولاياتالمتحدةالأمريكية في المبادلات الكلية للتجارة الجزائرية لتصبح الشريك التجاري الأول بقيمة قدرها 13.9 مليار دولار عند نهاية العام المنصرم 2006. والتقارب الأمريكي الجزائري كان واضحا منذ البداية أن فيه أجندة معينة، بعضها يخص الولاياتالمتحدة ومصالحها بالمنطقة، وبعضها الآخر يخص المصالح الجزائرية. وهذا ما أدى بالولاياتالمتحدة إلى تكثيف رسائلها الموجهة إلى الجزائر سواء المتعلقة منها بالتوافق على تطبيق خطة بيكر للسلام في الصحراء الغربية وهو ما فسح المجال لتقارب جزائري أمريكي على حساب المغرب، أو المتعلقة بتأكيد السفير الأمريكي في الجزائر على ضرورة رفع الحظر على التسلح المفروض على الجيش الجزائري منذ تفجر العنف الداخلي في العام 1991. وتوج هذا التقارب بزيارتين للرئيس بوتفليقة إلى البيت الأبيض. إضافة إلى التنسيق بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب. ومنذ ذلك الوقت بدأ الحديث عن توسع مجال التعاون إلى مجالات لم يطرقها من قبل. وقد أشارت يومية البايس الاسبانية في 2004 إلى تواجد أمني أمريكي في الصحراء الجزائرية، حيث سمحت الجزائر حسب ذات اليومية بوجود قواعد للمراقبة على أراضيها، مما يجعل منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط تحت المجهر الأمريكي. ولأن المغرب أحس بأن التقارب الأمريكي الجزائري يتم على حسابه، عملت الرباط على التقرب من واشنطن بإعطاء الموافقة على البدء في بناء قاعدة عسكرية في "طانطان" جنوب أغادير. في موقع يسهل وصول المؤن والعتاد العسكري عن طريق الناقلات البحرية عبر البحر. وانطلاقا من هذه القاعدة يمكن للولايات المتحدة مراقبة الصحراء الأفريقية التي تعتبرها أمريكا ملجأ لعناصر القاعدة الهاربين من أفغانستان. ولما كشفت الصحف الاسبانية والمغربية ما يجري في طانطان، من ذلك ما نشرته أسبوعية "الصحيفة" المغربية في أفريل 2005 من أن ناقلات للإسمنت المسلح تتدفق على المنطقة التي كانت قبلة للسياح قبل أن يصبح الاقتراب منها ممنوعا، مما يوحي ببدء إنشاء القاعدة ردت "مونيك كيسادا" ممثلة السفارة الأمريكية في الرباط: بأن مهمة 55 عنصر من مشاة البحرية الأمريكية الذين يتواجدون في المنطقة منذ فبراير 2005 تتمثل في المشاركة في تحسين حقول الواحات المحيطة بمدينة طانطان حول وادي درعة. إلى جانب المساهمة في مشاريع إنسانية من قبيل بناء 5 فصول جديدة في مدرسة عين الرحمة. وهي تريدنا أن نصدق أن أفرادا من مشاة البحرية الأمريكية جاؤوا بزيهم العسكري وأقاموا شهورا من أجل بناء 4 فصول دراسية وتوزيع الحقائب والكتب المدرسية على عشرات الأطفال؟. إن أحداث الصومال الأخيرة، وانضواء الجماعة المسلحة بالجزائر تحت لواء تنظيم القاعدة، والتململ الأمني الذي تشهده الجارتان تونس والمغرب، كلها مؤشرات تجعل الولاياتالمتحدة تدخل المنطقة المغاربية في حسابات الإستراتيجية تحت مسمى الحرب على الإرهاب. وسوف تدفعنا دفعا في المستقبل المنظور إلى الاختيار بين قاعدة والقاعدة. بين قاعدة عسكرية أمريكية أو تتركنا فريسة لتنظيم القاعدة. يومها قد يصعب علينا الرفض، ويصعب على فريق التواصل الالكتروني القول أن أمريكا لا تنوي التوسع عسكريا في شمال أفريقيا.