نجزع من الخبر، نخاف الفقد ليتملكنا الحزن الأليم الذي لا يضاهيه ألم بعدما ندخل أعز الناس إلى أولى منازل الآخرة، شعور رهيب يسري فينا لكن سرعان ما يهدأ تدريجيا بفضل إيماننا بموعد اللقيا في دار الخلد، أيام وأسابيع تمضي راضين بقدر الله وسنة الحياة فلله ما أعطى ولله ما أخذ، لكن الحزن يبقى قابعا فينا رغما عنا فينكسر الفؤاد ولا يجبره إلا جابر الخواطر لأتذكر مقولة جبران خليل جبران "ما زلت أؤمن أن الإنسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء كلما رحل صديق مات جزء وكلما غادرنا حبيب مات جزء وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل". أينكسر القلب حقا؟ أيعقل أن ينفطر حزنا وألما على فراق أحدهم؟ وهل انكسار القلب هذا قد يؤدي إلى الوفاة؟ ما بينته دراسات علمية عالمية وجود فعلي لهذا المرض الذي لا ينبغي الاستخفاف به إطلاقا حيث يعرف بمتلازمة القلب المكسور أو بمتلازمة Tako-tsubo، شُخّص لأول مرة من طرف أطباء يابانيين عام 1990 فهو يشير إلى حالة مرتبطة بالتوتر أو الإجهاد العاطفي الذي يعتبر السبب الرئيسي ب 85% ويمكن أن يحدثه الإجهاد الجسدي أيضا مما يؤدي إلى قصور حاد في القلب قد يصل إلى الوفاة في بعض الحالات، فهو عبارة عن رد فعل القلب اتجاه الضغوطات النفسية المرتبطة بالمشاعر وبالمحيط الذي نعيش فيه والمشاكل الشخصية مما يعتبر كتحذير أولي يستحسن معالجته قبل تفاقم الوضع. ما هي الأسباب الدافعة لاعتلال عضلة القلب المؤدية لمتلازمة القلب المكسور؟ الصدمات العاطفية الناتجة عن موت عزيز و فقدان شخص من العائلة، الانفصال، أخبار سيئة، خيبة أمل كبيرة وحتى نزاعات حادة على الصعيد المهني، كل هذا التوتر العالي يُخضع القلب إلى تغير طفيف على مستوى البطين الأيسر. تحت تأثير الضغط الشديد، يرسل الدماغ إشارة إلى الغدد الكظرية المتواجدة فوق الكليتين ومن بين وظائفها الأساسية إفراز الأدرينالين للرد ومواجهة الضغط، الأدرينالين المفرز بشكل مفرط في هذه الحالة يحدث انقباض لا إرادي لبعض الأوعية الدموية مما يؤدي إلى تسارع خفقان القلب، لكن في بعض الحالات وتحت صدمة شديدة كفقدان الزوج، الزوجة أو الابن فإن القلب قد يصاب بالشلل فيتوقف عن النبض، قد تتشابه الحالة الحادة لمتلازمة القلب المكسور مع السكتة القلبية لكنهما مختلفان في الأساس. حيث تتمثل أعراض المتلازمة في عدم انتظام دقات القلب، وآلام في الصدر، وضيق في التنفس، والغثيان، والتعرق، وارتفاع ضغط الدم. أما بخصوص الأكثر عرضة لمتلازمة القلب مكسور هي شريحة كبار السن التي تتجاوز أعمارهم 60 لحساسيتهم المفرطة اتجاه المواقف الحزينة والصدمات العاطفية والتوتر الحاد، ومن ناحية أخرى نسبة النساء أكبر بكثير مقارنة بالرجال لحساسيتهن المفرطة، لذلك استرجعت ذاكرتي بعض الحالات التي حيرتني آنذاك عندما سمعت موت قريب 30 يوما بعد موت زوجته الذي لم يتخيل إطلاقا فراقها، فدخل في دوامة لم يعد يتعرف على أحد إلا و ناداه باسم زوجته المتوفية، وأخرى فارقت الحياة وهي بكامل صحتها بعد ثلاثة أيام من وفاة ابنها الشاب إثر حادث مرور وهي تكرر لن أستطيع العيش بدونه، ومع دردشتي اتضح أن هناك الكثير من القصص المشابهة. قد تكون متلازمة القلب المكسور عبارة عن حالة عضوية ناتجة عن الحالة النفسية للإنسان كما أظهرته العديد من الأبحاث، ولكوننا مسلمين بقضاء الله وقدره نواجه المصيبة والفاجعة بالصبر والإيمان متوكلين على الحي الذي لا يموت في قوله تعالى: "مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ 0للَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِ0للَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥ ۚ وَ0للَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ " وفسرها ابن كثير كما يلي (ومن أصابته مصيبة في نفسه أو ماله أو ولده فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه، ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرا منه).