يوما الراحة المتزامنين مع يومي الأربعاء والخميس، بعد نهاية الدور ثمن النهائي من مونديال روسيا، كانا مثل الكابوس لمدمني كرة القدم، بعد أن عاشوا مباريات الدور الأول وثمن النهائي بجوارحهم، وهو ما يجعل التفكير في عالم من دون كرة القدم، وكرة قدم من دون كأس العالم من المستحيلات، ويجعلنا نتذكر سنوات الحرب العالمية الثانية التي توقف فيها المونديال لمدة 12 سنة كاملة. فما إن تعوّد العالم على مذاق كأس العالم التي بدأت سنة 1930، حتى جاءت الحرب العالمية الثانية والحروب الأهلية لنسف المنافسة، ووجدت الكثير من البلدان الأوروبية نفسها مجبرة على إلغاء مختلف البطولات والدوريات المحلية، فما بالك بمنافسة كأس العالم، وكانت كل الترتيبات قد سارت لأجل تنظيم كأس العالم عام 1942، حيث تقدمت ألمانيا قبل مونديال فرنسا 1938 بطلب استضافة كأس العالم، ولاقى طلبها منافسة من أمريكا اللاتينية التي رأت أن أوربا قد تستحوذ على المنافسة، ومنذ عام 1936 وألمانيا تسعى لاستضافة كأس العالم 1942، ولكن الاتحادية الألمانية كانت على خلاف حاد مع الفيفا بسبب رفضها إشراك اللاعبين المحترفين في كأس العالم، وبدأ ملف البرازيل يجلب الانتباه، كما أن الأرجنتين أيضا تقدمت بطلب استضافة كأس العالم، وبقي خوف الأوروبيين من الرحلة البعيدة بحريا إلى القارة الأمريكية، ومع ذلك اقتنع جول ريمي بالسفر عام 1939 إلى البرازيل لمشاهدة المنشأت الرياضية لهذا البلد، وبينما أبدى موافقته على احتضان ساوباولو المونديال بلغه خبر مهاجمة ألمانيا لبولونيا واندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية، فتم إلغاء المنافسة، ولم يجتمع أعضاء الفيفا إلى غاية 1949 ليقرّروا منح البرازيل استضافة كأس العالم عام 1950 واستبعاد ألمانيا التي ظلت محاصرة وممنوعة عن المشاركة بسبب ما فعله حكمها النازي في العالم بأسره بقيادة أدولف هيتلر الذي كان يشجع نادي شالك ويتعصّب له. وكانت كرة القدم، الرياضة الأكثر تضرّرا بعد اندلاع الحرب العالمية عام 1939 حيث كانت كل الدول الكروية الكبرى، معنية مباشرة بالحرب، ومنها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا، وهي الفرصة التي استغلتها منتخبات جنوبأمريكا وطوّرت من أدائها، وبمجرد أن عادت كأس العالم بعد نهاية الحرب العالمية لنشاطها حتى سيطرت على أحداثها البرازيل والأروغواي، ووجدت الدول الأوروبية صعوبة في استرجاع بريقها، إلى غاية موعد مونديال سويسرا عام 1954، ومنذ ذلك الحين حرص المسؤولون على الفيفا على تفادي تنظيم المونديال في البلدان التي تعرف توترا، لأن ضياع دورتين في سنتي 1942 و1946 أرجع الكرة العالمية إلى نقطة الصفر، وكادت كأس العالم تلغى نهائيا ولكن بقاء صاحب الفكرة الفرنسي جول ريمي على قيد الحياة، هو الذي أرجع للكأس بريقها، كما منحت الفيفا شرف التنظيم لكوريا الجنوبية واليابان عام 2002، لأن المنطقة صارت بعيدة عن الحروب، منحت عام 2010 شرف التنظيم لجنوب إفريقيا منذ أن تخلصت من معارك الميز العنصري، وتم تهديد روسيا بحرمانها من تنظيم كأس العالم الحالية 2018، في حالة اتساع صراعها مع أوكرانيا وأخذ أبعاد حرب أهلية، لأن كأس العالم منذ أن بدأت، كانت للسلم والفرجة وتعارف الشعوب، خاصة بعد أن شلتها الحرب العالمية الثانية في الفترة الممتدة من عام 1938 إلى غاية 1950 وهي فترة طويلة لن يصبر عليها مرة أخرى عشاق الكرة.