الكلام الذي قاله المخرج والمنتج بشير درايس بخصوص فيلم "العربي بن مهيدي" وما تحدث عنه بشأن مخاوف حقيقية من تدخل رسمي لاغتيال الشهيد مرة أخرى، كلام صحيح ويستمد شرعيته من السلوك الذي دأبت السلطة على فعله والطريقة التي تعودت على كتابة التاريخ بها! من حق درايس أن يخاف على فيلمه من "الرقابة"، والواقع أن هذا العمل ليس ملكا لدرايس فقط، بل هو من الناحية الرمزية ملك للجزائريين جميعا، ولمن يعتبرون بن مهيدي رمزا مقدّسا في الذاكرة الوطنية، لذا فان أيّ تدخل سلطوي لقمع النص أو الإخلال بمضمونه، سيعدّ تصرّفا غير مقبول ومن المفروض أن يتصدى له المثقفون جميعا وليس مخرج الفيلم ومنتجه فقط! أتذكر أن بشير درايس قال لي يوما إن "فيلم العربي بن مهيدي" يختلف تماما عن السينما الثورية التي دأبت السلطة على إنتاجها في سنوات ماضية وكان عرّابها الأول المخرج أحمد راشدي، حيث قدمت لنا أفلاما لم تحقق الغرض الإنساني ولا التاريخي منها بل كانت أغراضها سياسية وديماغوجية بحتة، تهدف إلى ممارسة التمجيد والتطبيل والتزمير، وذلك بشهادة صناعها في تصريحات عدة، وبالتالي فإن "بن مهيدي" يعد أول عمل سينمائي يحمل مواصفات "فيلم ثوري" عن جدارة واستحقاق، كما أنه يروي جانبا حقيقيا من الثورة بعيدا عن توظيف السلطة للتاريخ! وبالعودة إلى سبب "غضب" درايس والذي يستمد مبرراته من المعاناة الرهيبة التي تعرض لها أثناء إنجاز هذا الفيلم، فإن ما فجر "ثورته" حديثا، تدوينة نشرها الوزير عز الدين ميهوبي قائلا فيها إن العمل لن يتم عرضه على الجزائريين سوى "بعد مراجعته من طرف لجنة مختصة"، أمر اعتبره وزير الثقافة مجرد إجراء عادي، لكن ما يتخوف منه البعض، وبينهم درايس أن تكون اللجنة "حق يراد به باطل"، الهدف منه "بتر النص أو حذف بعض المشاهد"، علما أن المشكلة الأساسية التي تعترض فيلم العربي بن مهيدي تتلخص أيضا في كون عز الدين ميهوبي لا ينظر إلى العمل بعين مجردة ولكن ينظر إليه من خلال المواقف السياسية للمخرج بشير درايس وهذا خطأ جسيم وغير مقبول!