تشكل الحياة الدبلوماسية دوائر متلاحقة ومتنوعة من التجارب والخبرات، ترتبط بشكل كبير بالدور الذي يقوم به رئيس البعثة الدبلوماسية ومقدار القيمة المضافة التي يحققها خلال فترة عمله على صعيد العلاقات التي تربط بلاده بالدولة المعتمد لديها. وعلى مدار أربع سنوات كاملة عمل فيها سفيرا لمصر بالجزائر، أكدت تصريحات عمر أبو عيش وتحركاته مدى حرصه على تحقيق “مصالح البلدين”، وخاصة أنه استلم مهام منصبه في فترة وصفها بالهامة ارتبطت بكمٍّ كبير من التغييرات السياسية على الصعيدين الداخلي والإقليمي. ويذكر الدبلوماسي المصري، الذي التقته “الشروق” بمناسبة انتهاء فترة خدمته في الجزائر، وعودته للقاهرة، لاستلام منصب في خارجية بلاده، أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للجزائر في 2014، والتي كانت أول زيارة يؤديها للخارج عقب توليه المسئولية، ساهمت بشكل كبير في تهيئة الأجواء بين القاهرةوالجزائر وأعادت العلاقات إلى مسارها الطبيعي بعد فترةٍ تأثرت خلالها بالأزمة التي سبَّبتها مباراة كرة القدم في 18 نوفمبر 2009 في أم درمان. ولم يخفِ المتحدث، إدانته لتصرفات بعض اللاعبين والإعلاميين المصريين الذين أساؤوا إلى شهداء الثورة التحريرية، موضحا أن إزالة الرواسب التي خلفتها هذه الواقعة شكلت بالنسبة له تحديا كبيرا كان من الضروري التغلب عليه نهائيا، وهو ما استغله خلال زيارة وفد نادي الأهلي المصري، بمناسبة نهائي كأس إفريقيا الممتازة أمام وفاق سطيف، في فيفري 2015، إذ حرص على أن يقوم النادي بتكريم شهداء الثورة الجزائرية، بزيارة مقام الشهيد ووضع إكليل من الزهور، والترحم على أرواح الشهداء. ويجزم الدبلوماسي المصري أن هذه اللفتة الرمزية من الأهلي سمحت بتجاوز رواسب الأزمة الكروية وفتحت آفاقا أمام النمط الذي اعتمده لإعادة “اللحمة” بين شعبي البلدين من خلال تعزيز الروابط الثقافية والانفتاح على الإعلام الخاص والعام لإبراز الصورة الحقيقية لمجريات الأمور داخل البلدين والاعتماد على المعلومات من مصدرها المباشر وليس عبر قنوات أو مصادر وسيطة لها أجندتها الخاصة. ويؤكد السفير المصري اهتمامه بالثقافة كونها رافدا قويا لجمع البلدين، وهو الذي تحقق مع تبادل الوفود الثقافية طيلة السنوات الماضية، فكانت السينما المصرية حاضرة بقوة في كل دورات مهرجان وهران السينمائي للفيلم العربي، كما شاركت مصر كضيف شرف في صالون الجزائر الدولي للكتاب عام 2017 وحضرت الجزائر كضيف شرف في مهرجان القاهرة للكتاب في بداية العام الحالي. وكشف المتحدث أن هنالك تفكيرا في عرض أعمال تلفزيونية جزائرية في القنوات المصرية، وأوضح أن صعوبة فهم الدارجة الجزائرية لا تشكل عائقا كبيرا أمام المشاهد، فمع مرور الوقت سيتعوَّد المواطن المصري على اللكنة الجزائرية، وهذا ما لمسته خلال فترة إقامتي بالجزائر، فجميع أفراد الجالية المصرية بمن فيهم طاقم السفارة اعتاد الحديث مع الجزائريين بلكنتهم. ولا ننسى في هذا الصدد زيارة أيقونة الثورة الجزائرية المجاهدة جميلة بوحيرد لمصر في مارس الماضي، حيث تم تكريمها بشكل خاص في القاهرة قبل مشاركتها في الدورة الثانية لمهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة الذي يُنظم برعاية المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع وزارتي الثقافة والسياحة المصرية، وخصص اسم المجاهدة بوحيرد عنوانا لطبعة المهرجان في هذا العام. وعن تقييمه للعلاقات الثنائية بين البلدين، أورد ابوعيش، أن التعاون في المجال السياسي “صلب وقوي للغاية”، وهو ما يفسره “التطابق الكبير لمواقف البلدين من قضايا المنطقة”، كما أشار إلى النجاح المحقق في الجانب الاقتصادي، بعقد شراكات بين مجمعي كوندور وسيفيتال، لإقامة مصانع في التراب المصري، والذي يضمن التصدير لدول إفريقية، وزيادة عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين، وتضاعف عدد السياح الجزائيين الذين يزورون مصر، خاصة بعد فتح خطوط “شارتر” في الصائفة الماضية وبنسب زيادة فاقت الألف بالمائة. علامات فارقة وإيجابية في مشوار دبلوماسي استمر أربع سنوات أعرب فيها السفير المصري عن محبته وتقديره للجزائر التي بادلته ذات المشاعر والتقدير.