يتحدث خريج قسم اللغة والدراسات القرآنية بكلية العلوم الإسلامية بالجزائر العاصمة، والروائي الشاب الطيب صياد، في هذا الحوار مع "الشروق" عن "متاهة قرطبة" روايته الجديدة الثانية التي ستكون حاضرة في صالون الكتاب والصادرة بعد "العثمانية"، ويقدم رأيه في كتابات الشباب اليوم ولماذا يركز على التاريخ والدين والفلسفة في أعماله. بعد "العثمانية"، تقدم في معرض الكتاب رواية "متاهة قرطبة"، عمّاذا تتحدث؟ تأتي الرواية مباشرة بعد سنة كاملة من إصدار رواية "العثمانية" والتي حققت نجاحا لم يكن متوقعا، حيث صدرت في ثلاث طبعات عن منشورات "الجزائر تقرأ"، وحسب ما أعلنته الدار فإنّ كل طبعة فيها 500 نسخة، كما ستكون متوفرة في سيلا 23، أمّا عن رواية "متاهة قرطبة" فصدرت عن "دار المثقف" ذات طابع فلسفي صوفي رمزي، وتضم حوارا مطولا بين شخصيات أندلسية مثل ابن حزم وابن خفاجة وابن عربي الحاتمي، وبطل الرواية الذي يتعرض إلى اختطاف من عصابة، ثم يلقى في مكان مهجور صحراء قاحلة، هنا يدخل عنصر التخيل، إذ يتخيل البطل مشاهد مختلف، تاريخية وروحانية ويستحضر الشخصيات المذكورة آنفا، ويجري معها حوارا ينتهي بعنصر مهم أتركه مفاجأة للقارئ، وأشير إلى أنّه يتعلق برواية "العثمانية". هل روايتك "متاهة قرطبة" مستمدة من وقائع تاريخية؟ هي بعكس "العثمانية" كلها تخيل، لأنّ استحضار الشخصيات التاريخية في عصرنا الحالي لابد أن يكون متخيلا، ومن ناحية الأسلوب تتميز بلغة رمزية صوفية تختلف عن لغة العثمانية التي قدمت بأسلوب بسيط ومعاصر ولغة يفهمها غالب الشباب في وقتنا الراهن، حاولت إحداث تغييرات عليها فيما يتعلق بالحجم. لماذا؟ أردت اختيار اللغة العالية كما يقال في النقد، لذلك اضطررت بكتابة نصّ أقل من ناحية الحجم، بمعنى أنّ كتابة نص باللغة العالية يتطلب وقتا وجهدا وبحثا، وللعلم أنجزت الرواية في أقل من عام، حيث نال منّي التعب نظير جهد بذلته وبحث قمت به وقراءة لمؤلفات كثيرة لاسيما مؤلفات ابن حزم وشعر ابن خفاجة وابن عربي، حتى أذيب كل هذه المعرفة في العمل. من خلال روايتيك" العثمانية" و"متاهة قرطبة"، يلاحظ تركيزك على الجانب التاريخي والديني والفلسفي، هل هو خيار أم ضرورة تفرضها الرواية، ولماذا لا تكتب عن الحب والرغبة كما يفعل باقي الروائيين الشباب؟ من جهة هو خيار، لكونه رغبة ذاتية وشخصية،، كما أنّ دراستي الأكاديمية في التاريخ والعلوم والشريعة تدفعني إلى ذلك، وأرى أنّ المزج بين التاريخ والدين والفلسفة أمر مهم جدا، فالنصوص التي أكتبها أحاول تقديمها للنخبة حتى ننتقل نقلة نوعية في الرواية، فالفكر الموظف حاليا يبدو سطحيا وشكليا نوعا ما، ويهتم بأمور غير مجدية، في حين الحديث عن الحب والرغبة والمغامرات سهل جدا، يمكن لأي شخص أن يكتب عن تجربته أو تجربة آخرين يعرفهم. ويحبك القصة بطريقة مشوقة. ولكن كتابة نص ذي هدف عميق تربط بين التاريخ والواقع المعيش أمر صعب. هل نجد هذه التوليفة في الروايات الجزائرية والعربية؟ نجدها عند قلة قليلة من الكتاب التي تحاول النبش في التاريخ والمعتقدات والفلسفة وتصحيح الفكر، وفي كل المواضيع المهمة والصعبة، ومن جهتي أوظف هذه الأفكار في أعمالي، وإذا وظفت الحب فأستعمله كقيمة فلسفية ومعنوية، ففي "متاهة قرطبة" الحوارات التي أجريتها تناولت مسألة الحب ولكن من جانبها الفلسفي والصوفي والديني. هل النصوص الروائية الجزائرية بحاجة إلى المعرفة والعلم، وهل هي مجرد تعبير عن الرغبة والبوح؟ كثير منها تتناول تجارب شخصية قد لا تفيد القارئ، وهي أدبية محضة تعبر عن مشاعر عابرة وهدفها المتعة فقط، أمّا أن نكتب نصا يعالج قضية إنسانية أو وطنية أو فكرية، فهذا نادر جدا، خصوصا في الرواية الجزائرية، وهنا أسال لماذا يكتب الجزائري في هذه الأبواب العادية الرومانسيات؟ أعتقد أنّ حركة النقد بطيئة جدا، فالنقد مصاحب للعمل الروائي. ككاتب شاب، ما رأيك في كتابات المواهب الشابة اليوم؟ في جانبها اللغوي ضعيف جدا، في أغلب الكتابات، لأنّ منهم من يكتب يريد أن يوصل فكرة معينة ولا يهتم بالجانب اللغوي، وبتجويد نصه، ووجب أن يهتم الكتاب الشباب بالجانب اللغوي، فهناك من قدم ثلاثة أعمال أو أكثر ولا يزال يخطئ على مستوى النحو والإعراب والصرف، وأرى أنّه وجب تنظيم دورات تدريبية وتكوينية لمثل هؤلاء لتطوير قدراتهم اللغوية وهذا ليس عيبا، فالإنسان لم يخلق عالما. هل أنت متفائل بمستقبل الرواية والنشر؟ رغم الحالة السوداوية التي تعيشها الرواية الجزائرية بقلة الدعم والجمعيات، إلا أنّ هذه الحركة والتسارع في الكتابة، أراه بطريقة إيجابية، لأنّه من خلال هذا الكم الكبير للكتابات، أكيد ستبرز أسماء وأقلام جيدة مستقبلا. بعد "متاهة قرطبة"، أنص آخر تفكر في كتابته؟ لم أستقر على نص معين ولكن يبدو أنني سأخوض تجربة في الميدان الاجتماعي والسياسي بنوع من التركيز، والتركيز أيضا على المدينة كشخصية روائية.