العالم العربي برمته بحاجة إلى إصلاح وليس إلى ترميم، قال ذلك أكثر من مسؤول عربي وجزائري بالأخص فيما يتعلق بالجامعة العربية، التي لم تعد تجتمع إلا على تفرق.. الواقع، أن العرب ممثلون في "جامعتهم" المفرّقة بين جمع الجموع، قد تأسست لتجمع شتات العرب غير المتجمعين على إجماع.. كان ذلك بوحي بريطاني أجنبي بالأساس لحاجة في نفس "جاكوب". بنفس الذهنية والاستراتيجية الغربية للقضاء على "الامبراطورية الإسلامية" العثمانية، التي كانت تقضي بتجميع العرب لمناهضة العجم ممثلين في الخلافة العثمانية التي كان الغرب يعمل على الانقضاض على إرثها، خاصة بعد حروب البلقان. لورانس العرب، كان العميل البريطاني الذي سيعمل على هذا التوجه لتجسيد خبرة مخابر التاج البريطاني في الشرق الأوسط. رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط في بداية القرن التاسع العشر، بتوريث فلسطين لليهود وتقليم أظافر الرجل المريض قبل توزيع إرثه بين القبائل الأوروبية ضمن اتفاقية سايكس بيكو، التي سميت بهذا الاسم تيمنا باسم وزيري خارجية بريطانية "سايكس" ووزير الخارجية الفرنسي "بيكو"، كان الهدف الأكبر من رؤية الغرب الأوروبي للمنطقة لحدود سنة 2000. والآن، وقد أنجزت المهمة وقضي على الخلافة الإسلامية العثمانية وعاد العرب كما كانوا قبائل في شكل دول.. متصارعة على زعامات مزعومة، تحت مظلة الغرب الأمريكي الأوروبي، وعودة الأمور إلى مجاريها التاريخية البعيدة.. تبدو تركيا اليوم أكثر ما تكون تواقة لاسترجاع تاريخها العربي الاسلامي السني.. بل وتاريخها الأوروبي. إيران على نفس الوتيرة تسير، نحو امبراطورية فارسية شيعية.. تتنافس مع الجيران العرب على ممرات الماء وشرايين الاقتصاد التجاري البحري النفطي.. تماما كما كان الصراع قبل الإسلام بين فارس والعرب على الممرات التجارية البحرية: البحر الأحمر والخليج الفارسي.. الذي عربه العرب بالإسم دون أن يتمكنوا من تعريبه سيادة وملاحة واقتصادا.. والدليل أن إيران تهدد اليوم بغلق مضيق هرمز إذا ما منعت من تصدير نفطها عبره.. بذهنية ّ"علي وعلى أعدائي"، على اعتبار أن إيران ما تزال تعتبر في وجدانها الأيديولوجي والعقائدي أن الخليج هو خليج فارسي وليس خليجا عربية. ذلك أن العرب لم يكن لهم لا نفوذ ولا دولة بالمنطقة فيما خلا اليمن في الجنوب الغربي من الخليج. العرب اليوم إذن في مفترق الطرق نحو الوثبة إلى الأمام عن طريق تحالفات وإصلاحات جذرية في العلاقات العربية عربية والعربية إسلامية، وهو ما يبدو صعبا اليوم في ظل التشظي العربي على أسس ولاءات للغرب أكثر من الولاءات للعروبة.. وانقسام المسلمين العرب وغير العرب على أسس طائفية ومذهبية. الغرب الاستعماري القديم والحديث.. يلعب دور المفرق بين "المرء وزوجه"، لنفس حاجة جاكوب في القرن 19، غير أن هذه المرة، ليس بضرب الإسلام بالعروبة، كما كان الحال مع البعثية، ولا بضرب الأعاجم بالعرب كما كان الحال مع بريطانيا، خاصة في شبه الجزيرة العربية، أو البربر بالعرب في الشمال الإفريقي.. ولا حتى بضرب التخلف الطرقي بالإصلاح الوهابي، بل باستعمال كل هذه الشراك والحبال جميعا. بنفس الصيغة والعقيدة، يعمل اليوم الغرب الأوروبي الأمريكي على صهينة المنطقة وتفريق شمل العرب ونسف جامعتهم وأنديتهم من اساسها.. بدليل أن النادي الخليجي هو الآخر يتعرض للتآكل والنخر كما نخرت من قبلها أندية اتحادية كالاتحاد المغاربي وسابقا مشروع الاتحاد بين مصر والسودان، وبين مصر وسوريا والعراق، ومشروع الوحدة بين الجزائر وليبيا.. ووو.. كل هذا لصالح مشروع اتحاد بين دول حوض المتوسط.. وإسرائيل طبعا.. تكون فيه دول الشمال المهيمنة، فيما دول الجنوب دركي وشرطي لمحاربة الإرهاب والهجرة الإفريقية نحو القارة العجوز وأمريكا.. وسوق استهلاك. لهذا، إصلاح الجامعة العربية، يتطلب إصلاحا داخليا في كل دولة على حدة. وهذا ليس بالأمر السهل في ظل الانقسام وحب الزعامات وترأس الكتل وضعف الثقة بالنفس والولاء المطلق لولي النعمة والحامي لغير الملة ولغير الدين.. الحالب للذهب والنفط والدم.. لهذا، قد نحتاج إلى ثورات إصلاحية غير استبدادية، ديمقراطية، نابعة من إرثنا الحضاري والديني والتاريخي.. كنتم خير أمة أخرجت للناس.. تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..