لم تعد محلات العطارة وبيع الأعشاب تكتفي بعرض بعض الحشائش الطبية، وتلك الخلطات السحرية القادرة على تنحيف الجسم أو تسمينه وتبييض الوجه والعناية به وحتى معالجة بعض الأمراض، بل ضمت لقائمة نشاطها الجديدة وصفات لمواجهة عالم الغيبيات كمرش التخلص من الجن وزيوت لطرده وخلطات لإخراج السحر بجميع أنواعه. استطاعت بعض الوصفات والخلطات الغريبة والتي كانت في السابق تعرض للبيع عند الرقاة فقط ومواقع التواصل الاجتماعي، أن تحجز مكانا لها هذه المرة داخل محلات العطارة وعلى رفوف العشابين، حيث أصبح بخاخ طرد الجان يعرض في صدارة المحل لكثرة الطلب عليه، أما الخلطات العجيبة والتركيبات الغريبة لإخراج السحر فالطلب عليها قياسي. قررنا فتح ملف التجارة الروحانية والولوج لعالمها غير المرئي، الذي يستغل فيه جهل الإنسان وجزعه بما يعانيه ويواجهه من كروب وهموم، للعثور على حل أو طوق نجاة يخلصه ويفرج عنه كربته. ولذا اخترنا التجوال في المحلات المتخصصة ببيع الأعشاب شرق العاصمة، وأخذنا نشاهد البضاعة المعروضة أنواع مختلفة من بخاخ طرد الجن والشياطين، في شكل قارورة صغيرة يتم وضعها عن طريق الرش، علبة أخرى تحتوي على قارورة من الزيوت تفيد لذات الغرض، علب عسل مختلفة تحتوي على تركيبات متعددة لإخراج السحر المأكول. وبداخل كل علبة وثيقة تشرح كيفية الاستعمال والتوقيت. بائع أعشاب: بعض الرقاة يطلبون من المرضى شراءها اقتربنا من صاحب المحل، واستفسرناه عن الأسعار فرد علينا: بأنها تختلف من منتج لآخر وحسب العلامة المختارة وهناك المحلية والمستوردة، فمثلا بالنسبة للبخاخ هناك من تتراوح أسعاره بين 1000 و2000 دج، أما تركيبة الزيوت فهي مرتفعة نوعا ما بين 1500 دج و3000 دج حسب حجم القارورة ونوعية الزيوت الموجودة فيها، وعن العسل قال محدثنا إن العلبة الصغيرة نوعا نحو 250 غرام بسعر 1000دج وهي تكفي المريض لمدة أسبوعين، لأنه سيقتني تركيبتين أو ثلاث مختلفة واحدة يأكلها في الصباح قبل الفجر وأخرى بعد العصر وفي الليل قبل أن ينام. وعن طبيعة الزبائن قال محدثنا إن البعض منهم يتم إرسالهم عن طريق الرقاة لشراء هذا العلاج، فيما هناك مواطنون عاديون يشترونه بمفردهم ويستعملونه بكل بساطة. زوار البقاع المقدسة يجلبونها تحت الطلب وواصل محدثنا تصريحه بالقول إن بعض المنتجات مستوردة من دول المشرق العربي، كاشفا بأن أحد البخاخات قد أحدث ضجة هناك وهو مطلوب يفيد في حالات السحر المرشوش أو المعلق، المأكول والمشروب، المدفون، العين والحسد والمس وللمشاكل العائلية والأرق، ومصنوع من ماء زمزم وماء الورد والمسك الأبيض يتم جلبه تحت الطلب. فيقوم المريض برش غرفة نومه وعتبة المنزل وبالأخص جوانب الغرفة "الشقوق" وسقف البيت بالكامل، وهناك تركيبة الزيوت تحتوي على القسط والحبة السوداء وتركيبات أخرى فيها خلاصة الحلتيت، وهناك وصفات أخرى على شكل عسل يحتوي على تركيبة من الأعشاب منها ما يسبب الإسهال، لذا ينصح مستعملها بتناول "التلبينة" واستعمال ملح خاص للاستحمام، واستشفينا من حديث التاجر بأن المعتمرين والمرشدين هم من يتولون جلبها من البقاع المقدسة عند توجههم لأداء فريضة الحج أو للاعتمار. رقاة احترفوا المهنة وتعلموا الصنعة تركنا المحل وتوجهنا إلى آخر وبمجرد استفسارنا عن المنتجات السابقة، أخبرنا التاجر عن عدم تواجدها لديه في المحل لكنه يعرف أحد الرقاة وهو متعود على شراء الأعشاب ليستعملها في تحضير هذه الخلطات، ويتولى إعداد التركيبات بنفسه ثم يبيعها في شكل مجموعة تستعمل لفترة علاج تتراوح ما بين 3 أسابيع وشهر، بعدها يرقي المريض ويخضعه لجلسات حجامة حسب طبيعة المرض إن كان سحرا أو مسا. وتضاربت آراء المواطنين بين متقبل لفكرة وجود مواد وأعشاب تبعد الجن والشياطين ومعترض على الفكرة وغير مصدق لها تماما، معتبرا أن الأمر يندرج ضمن الأمراض النفسية خصوصا أن عالم الجن والسحر غير مرئي بالنسبة لنا لذا يستحيل التحقق من فعالية هذه المنتجات. الشيخ ناصري: هذه الخلطات أهدافها تجارية وحول الموضوع، قال الشيخ محمد الأمين ناصري، إمام مسجد الفتح بالشراقة، بأن مثل هذه المنتجات التي اكتسحت السوق المحلية وبات ينصح باستعمالها الرقاة لا دليل لوجودها في القرآن ولا السنة النبوية، وما يعرف على الرسول صلى الله عليه وسلم سوى "التلبينة"، أما الزيوت والبخاخات والبخور فجميعها لتحقيق الأرباح المادية، وهي حيل وخزعبلات والناس يقبلون عليها لجهلهم ولصعوبة الظروف التي يعيشونها، محذرا من مخاطرها لعدم معرفتهم لتركيبتها فالأعشاب تحوي أضرارا قد تودي بحياة الإنسان. وشدد الشيخ ناصري على أن الرقية الشرعية هي تبرك بالقرآن الكريم، ولا يشترط أن يقوم بها راق متخصص، بل يستطيع المسلم رقية نفسه وتحصينها بالأذكار والقرآن أما ما بات يصاحبها من علاجات فهي ابتداع.