أسماء فنية معروفة منها التي غادرت الحياة ومنها التي لا تزال تقدم للفن الجزائري، هذه الشخصيات لا تزال عالقة بمخيلة المشاهد الجزائري وبذاكرة المواطنين بصورة عامة، سواء بمناسبة أم بغير مناسبة، ولكن اللافت للانتباه قوة تأثيرها على المشاهد من خلال الأعمال التي قدمتها لا لشيء سوى أنّها تناولت الواقع المعيش بدقة وجسدته على الخشبة أو في التلفزيون أو في السينما بصدق كبير. فبدا ارتباطها بذاكرة الجزائريين وتأثيرها جليين عندما أعادها الحراك الشعبي ضد النظام الحالي إلى الواجهة. أبدع الجزائريون عبر ربوع البلاد منذ بداية المسيرات الشعبية المناوئة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وكل رموز نظامه في ال22 فيفري الماضي، وإلى غاية اليوم، في رسم صور حضارية وإنسانية جزء منها ثقافي وإبداعي وفني. وصنع الجزائريون الاستثناء في المظاهرات الشعبية عندما تفننوا في إعادة وجوه فنية راحلة وأخرى لا تزال تمنح من عطائها للفن وللثقافة في الجزائر، فشاركت هذه الشخصيات في الحراك الشعبي وكأنّها حاضرة بالجسد والروح، وكأنّها أخرجت ما كانت تقوله وتعبر عنه حول الواقع والنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للكاميرا وعلى الخشبة في الشارع وأمام عدسات القنوات المحلية والعربية والأجنبية. على طريقة “المفتش الطاهر” و”كرنفال في دشرة” كانت ولا تزال المسيرات التي يقوم بها الجزائريون في مختلف أرجاء الوطن شاهدة على عمالقة الفكاهة الذين ترجموا الواقع بصدق وانتقدوا النظام في أفلام سينمائية ومسلسلات كوميدية وعروض مسرحية على غرار الراحل حاج عبد الرحمان المعروف لدى الجزائريين ب “لانسبكتور” أو “المفتش الطاهر” ورفيقه الراحل “يحي بن مبروك” المشهور ب”لابرانتي”. وفضل شباب من المتظاهرين التعبير عن الوضع الحالي ورفضهم لنظام بوتفليقة برفع لافتات كتب عليها كما ينطقه لانسبكتور في أعماله وبلهجته الجميلة المثيرة للفكاهة “أوتسرحلو بالكل، يا البانديا”، كما رفع آخرون لافتات عليها صورة المفتش الطاهر وأرفقوها بعبارات فكاهية ساخرة من النظام منها “كليتو لبلاد يا السراكين” (كليتو لبلاد يا السراقين) وغيرها. وشهدت المسيرات الشعبية عودة نجم الكوميديا والفنان محبوب الجماهير عثمان عريوات من خلال صور كاريكاتورية ساخرة رفعها المتظاهرون رفضا للنظام القائم أو على مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية الحراك، فعاد عريوات من خلال رفع المحتجين لافتات تحمل عنوان فيلمه الشهير “كرنفال في دشرة” الذي يعكس تسيير البلاد من طرف عصابة لم يهمّها البناء والتشييد بقدر ما يهمها النهب واستغلال ثورات البلاد والشعب، في حين فضل متظاهرون في ولاية ميلة التصوير على طريقتهم الخاصة لمشهد عثمان عريوات وهو يستقبل أحد المسؤولين في “دشرته”. في حين أعاد شباب إلى الواجهة الفنان عريوات برفع يافطة كتب عليها مقولته الشهيرة بالفرنسية “لا يجب ” il faut pas ” وأرفقت بعبارة “تزيد موندا (تترشح لعدة أخرى) وكذا العبارة الشهيرة “يتنحاو قاع” ولكن جاءت مرفوقة برسمة عليها صورة عريوات في فيلم “الطاكسي المخفي”. صويلح من الشاشة إلى الميدان ولم يكن النجم صالح أوقروت بطل المسلسل الفكاهي الذي عرضته “الشروق” سابقا غائبا بل صويلح أو عاشور العاشر كما يحلو للبعض تسميته كان حاضرا في المسيرات بالعاصمة وندد باستمرارية النظام الحالي، كما صنع الحدث وهو يتجول في شوارع العاصمة تحت تصفيقات وهتافات المواطنين رجالا ونساء “الله أكبر عاشور العاشر”، كما حضر بطريقة أخرى عبر يافطات رفعها المحتجون ورد فيها بعض الكلمات الفكاهية التي كانت تقال على لسان الممثلين في المسلسل منها ” بن عمي”، “ليلة الشك” وهي عنوان حلقة من هذا العمل، أو العبارة الأقوى “عاشور العاشر كان يمد لدحمانيس الزيت باطل.. فهمنا روطار” وجاءت هذه العبارة على خلفية نقل مواقع إعلامية أنّ حكومة الرئيس المستقيل كانت تمنح الغاز مجانا لفرنسا بعد انتهاء العقد الذي حددته اتفاقيات إيفيان. وعلق أحدهم على الفيسبوك حول هذا الأمر قائلا: “عاشور العاشر كان يعرف ماذا يجري في الجزائر”. وعلق آخر بقوله: ” نعيد مشاهدة “عاشور العاشر” ونفهم كثيرا الإشارات التي كان يحملها عمل المخرج جعفر قاسم لذلك هذه الدلالات بدأت تظهر اليوم الواحدة تلو الأخرى بسبب الحراك”. وقفات متأخرة وفي السياق طرح مشاركة الفنانين “مجتمعين” علامات استفهام تعكس الواقع وتعكس ربما الصراعات الواقعة بين بعضهم، ففضل أغلب الفنانين الخروج فرادى مع الشعب إلى الشوارع تنديدا ب”العصابة” وعدا ذلك فقد سجل بعضهم وقفات محتشمة خاصة أنّها جاءت متأخرة لم تواكب الحراك منذ انطلاقه. وبالتالي شهدت ساحة المساء الوطني وسلالمه وقفتين طرح فيهما الفنانون قضايا للنقاش لا تخلو من الحراك الشعبي والنضال، في حين خرج فنانو ومثقفو ولاية عنابة الأسبوع الماضي ببيان مطالبين برحيل مدير الثقافة ادريس بوديبة وبحل وزارة الثقافة دون فصلهما عن ضرورة تلبية مطالب الشعب.