تزايد اعتداء الأولاد على الوالدين بشكل رهيب، في السنوات الأخيرة، وأصبحت المحاكم تعج بالكثير من قضايا الاعتداء على الأصول، لكن الملفت للانتباه في بعض القضايا، أن المعتدي لم يبق الذكر فحسب، كما كان معروفا في السابق، بل أصبحت البنت كذلك طرفا في هذه الاعتداءات، التي تكون في بعض الأحيان وحشية، تصل إلى إحداث تشوهات جسدية.. وانتقل العقوق بذلك من جنس الذكر إلى جنس الأنثى في صور رهيبة، تحدث يوميا، فمن كان يظن أنه سوف يأتي يوم تلد الأمة ربتها، لكنها للأسف، هي حقيقة واقعية، لمسناها في كثير من قضايا الاعتداء، على من جعل الله الجنة تحت أقدامها. في عيد المرأة، الذي تقام له الحفلات، وتقدم فيه التشريفات، وتضرب فيه الطبول والآلات الموسيقية بمختلف أنواعها، فرحا بهذا الحدث، وتقدم فيه الهدايا إكراما للأنثى وما وصلت إليه من نجاح في حياتها المهنية والشخصية، توجد هناك كثيرات منهن، مرميات في دور العجزة.. وهذا أمر معروف لدى العام والخاص، وأصبح من الأفعال التي حتى وإن ينفر منها كثير منا، إلا أنها حوادث موجودة في الواقع ونعيشها يوميا، غير أن الجرم الذي لا يظهر للعيان ولا ينتبه إليه الناس، أن كثيرا من الوالدات يعشن القهر من طرف فلذات أكبادهن، بالرغم من أنهن حرمن أنفسهن وهن قادرات من كثير من الأشياء، لإسعاد بناتهن وهن يكبرهن أمامهن، غير أنهن اليوم يلقين عكس ما قدمن لهن، فقد غرسن الحب والأمان والحنان، إلا إنهن اليوم بجنين الضرب والإهمال والتوبيخ، وفي بعض الأحيان على مرأى من الناس في الأسواق والأماكن العمومية، دون خوف ولا وجل. لما اشتدت سواعدهن ضربنهن لا يختلف اثنان في أن ما تقدمه الأم لأولادها، يفوق بكثير ما يقدمه الأب.. وهذا يظهر في علاقتها وارتباطها الشديد بهم، لكن للأسف، منهن من نسيت أو تناست هذا كله، وفي لحظة غضب أو نتيجة لضغط المشاغل التي ترتبت عليها من مسؤوليات بحكم عملها، تجرأت على رفع يدها على والدتها، بل منهن كثيرات ممن تخلت عنها ورمتها في الشارع. كان من المفروض عليها أنها عندما يشتد ساعدها وتصبح تقوى على مصاعب الحياة، الاهتمام بوالدتها، كما ربتها صغيرة، لكن حدث العكس، فحين قويت في جسمها ومالها أو منصبها، رمتها أو أهملتها عن قصد أو دون قصد، وهذا ما يحدث من طرف كثير من النساء اليوم. ضربتها لأنها عارضت خطبتها من شاب صعلوك وأخرى لأنها عيرتها الدوافع لوقوع كثير من حالات الطلاق والخلع تكون في الغالب أسبابا تافهة، وهو كذلك ما يحدث لمن تتجرأ وتضرب أمها أو ترميها خارج البيت.. ففي بعض القضايا، حدث هذا الاعتداء، وسبب عاهات أو أدمى وجه أم مسنة لأمر تافه، مثل الفتاة التي حملت إلى بيت والديها شابا سكيرا صعلوكا، معروفا عند العام والخاص، وأرادت الزواج به، وحين اعترضت عليها الوالدة وقدمت الدليل والحجة على عدم صلاح هذا الشاب للزواج، ضربتها في لحظة غفلة على رأسها، بصحن، فأدمت رأسها، غير أنه بعد سماع أقوالها أمام القاضي، ذرفت الدموع من أجل العفو، لكن الوقت قد فات. من القصص كذلك، قصة من تشتم أمها صباحا مساء قبل الخروج إلى الشغل وعند العودة منه، لأنها لا تستطيع مجاراة أولادها الصغار، وقد نال الكبر منها، فجعلت منها خادمة وليست أما، والويل لها حين تعترض، وبقيت المسكينة صابرة محتسبة، لأنه لا ملجأ لها إلا ابنتها الوحيدة، التي تهينها على كبرها، لكن دوام الحال من المحال. صور من الواقع، تحدث يوميا، بل وتزيد من يوم إلى آخر، في ظل تدهور العلاقة بين البنت وأمها للكثير من الظروف، دفعت بالكثير من العاقّات إلى التعدي على من ربتها وأكرمتها صغيرة، لكنها أهملتها وضربتها وهي كبيرة.