صح فيه القول إنه حافظ ماء الوجه للدراما الجزائرية في شهر رمضان، وحقق نسب مشاهدة تعدت المعقول، وألهم الصحف والقنوات الأجنبية في قطر ومصر والمغرب وتونس وغيرها.. استطاع أن يقدم شيئا جديدا خارجا عن المألوف، وخرج من الجمالية المصنوعة إلى جمالية الديكور الطبيعي والحي الشعبي، أبدع فيه كل ممثل في دوره، وكان البطل بطلا وخطف عبد القادر جريو الأضواء في دور مرزاق، دور أبهر كل من وقف على مشاهدته، ممثل يقف له المشاهد احتراما، ويصفق له بعد كل حلقة.. كانت لنا معه هذه الجلسة للحديث عن “أولاد الحلال” وبعض المواضيع المتعلقة بالثقافة في الجزائر. قبل الحديث عن مرزاق أولاد الحلال وجب الحديث عن عبد القادر جريو المخرج المسرحي وكيف كان الانتقال إلى الدراما؟ بدايتي كانت في المسرح الجامعي ثم انتقلت إلى مسرح سيدي بلعباس، شاركت في أغلب مسرحيات المسرح الجهوي منذ 2005 إلى حد الساعة. أحسست بأنني قدمت ما فيه الكفاية في المسرح، ووجب علي التفكير في ميدان آخر، من أجل جمهور أكبر وأوسع.. من هنا، كانت البداية في كاستينغ في التلفزة، وكانت البداية في مسلسل “عيسات إيدير”، مع المخرج الأردني كمال لحام، من هنا كانت الانطلاقة، كان الانتقال سلسا، لأنه يكفي فقط أن تكون لديك طاقات في التمثيل ومتمكنا. اقترحت عليك المعالجة الدرامية لمسلسل “أولاد الحلال” لكنك انتهيت إلى بطل المسلسل كيف كان هذا؟ في البداية، اقترح علي دور مرزاق، وبعد اطلاعي على السيناريو لاحظت أن هناك نقصا من حيث النكهة الجزائرية، وكذا الخصوصية الجزائرية، اشترطت أن أكون في الورشة الخاصة بكتاب السيناريو رفقة رفيقة بوجداي، قمنا بتعديله معا، وقمت كذاك بالمعالجة الدرامية للسيناريو، عملنا عليه لمدة أربعة أشهر، ثم أضاف له المخرج لمسة فنية راقية، بحكم أنه كان ممثلا في الأصل، خصص له كل الجهد ووصلنا إلى تقديم مسلسل يبقى راسخا في ذهن المتلقي. لماذا وقع اختياركم على الغرب الجزائري لتصوير هذا المسلسل؟ أولا، حاولنا التغيير، فأغلب الأعمال الرمضانية منذ الاستقلال، كانت تقدم في الجزائر العاصمة وباللهجة العاصمية، تحس من خلالها بأن هناك إقصاء للمناطق الأخرى. أتحدث عن نفسي مثلا، وبحكم أنني من الغرب الجزائري، حين أتنقل إلى العاصمة من أجل كاستينغ في عمل ما، كنت مطالبا بالتحدث باللهجة العاصمية، كما أن شركة الإنتاج أرادت التصوير في مدينة وهران منذ البداية، استفاد من هذا الاختيار ممثلو منطقة الغرب، وكذا التجار والفنادق والمطاعم والمدينة ككل، والملاحظ أنه حتى الممثلون الذين جاؤوا من خارج المدينة، قدموا الأحسن في اللهجة وتأقلموا، وهذا ما خلق نكهة خاصة للمسلسل. النجاح الذي حققه مسلسل “أولاد الحلال” هل هو نجاح السيناريو أم قوة الإبداع عند الممثلين؟ قبل كل شيء، لضمان عمل ممتاز، يجب أن يكون هناك سيناريو قوي، تكون فيه حكاية أصلية ومترابطة جيدا، لكن سيناريو قوي مع ممثلين محدودي الكفاءة تسقط المعادلة، وكذا العكس، لذا هو نجاح متكامل سيناريو بالإضافة إلى ممثلين بارعين وكذا رؤية الإخراج، وهذا كله كان متوفرا في مسلسل أولاد الحلال. شارك في المسلسل أغلب الفئات من المجتمع ماذا أضاف له ذلك؟ منذ البداية حاولنا التركيز على كل شرائح المجتمع، الأطفال والنساء، والرجال خاصة لأنه في الغالب هذه الشريحة مغيبة عند كتاب السيناريو في المسلسلات، أدخلنا هذه الشريحة لكي نجلب الجمهور الذكوري لمشاهدة المسلسل، وهذا ما جعل النجاح مضمونا، حتى وإن لم نكن ننتظر هذا الترحيب الواسع من المتفرج الجزائري. ماذا عن بعض الانتقادات التي طالت المسلسل؟ لا يوجد هناك عمل يخلق الإجماع الكلي، بالنسبة إلى “أولاد الحلال”، الأغلبية الساحقة تتفق على أنه عمل متميز، أما الانتقادات فتكون من طرف فنانين أو ممثلين فاشلين، ولهذا لا يمكن أن يكونوا موضوعين، أتمنى أن يكون بالموازاة مع كل عمل فني عمل نقدي، ويتعب الناقد في كتابة مقال نقدي للتنوير وأنا أقبل به مهما كان النقد، إذا كان مؤسسا على قواعد مدروسة، وأكاديمية. وأرى أنه يجب الذهاب إلى أهل الاختصاص. الجمهور الجزائري ذواق ومنفتح على الدراما ومسلسل “أولاد الحلال” حقق الإجماع كعمل درامي مميز ما هي توابل استقطاب المشاهد؟ نعم الجمهور الجزائري لديه ذوق جمالي، والخصوصية الجزائرية هي التي جذبت الانتباه، أي منتج قبل تقديمه، يجب القيام بدراسة السوق، وصلنا من خلال هذه الدراسة إلى ما يريده المتلقي الجزائري، مثل علاقة الولد بوالدته وتصل إلى القداسة في الأوطان العربية، مشكل الإنجاب مثلا، الاختطاف، وكلها ظواهر كانت إسقاطا في المسلسل، فكل ظاهرة تعكس الحياة الواقعية لبعض الأفراد لهذا لفت الانتباه،كما أننا قدمنا قصة قريبة من المتلقي، أي المتفرج أصبح يندمج مع الشخصية. من بين أسباب النجاح كذلك الديكور الطبيعي الذي أعطى جمالية كبيرة للمسلسل؟ الجزائر ديكور سينمائي مفتوح على السماء، في كل منطقة تستطيع تصوير فيلم يختلف عن الآخر، لكن لا يزال لدينا مشكل العراقيل الإدارية، الديكور الحقيقي فيه روح، تصور أننا دخلنا إلى كل البيوت لإيجاد حكاية كل زاوية فيها، لهذا أصبح “الدرب” شخصية أساسية في المسلسل حتى أهل الدرب لم يصدقوا سحر هذا المكان بعد التصوير فيه، وتصور أن فيه من محبي هذا المسلسل، من انتقل من قسنطينة مثلا من أجل الوقوف على المكان الذي صور فيه المسلسل.. وبالمناسبة أتمنى أن يصبح ذلك المكان منطقة سياحية، ولا يستغل في نشطات أخرى. ما هي القراءات الخفية والرسالات في مسلسل أولاد الحلال؟ نحن نسلط الضوء على ظواهر اجتماعية للعبرة، مثلا مشهد مرزاق يبكي والدته، بعده تلقيت رسائل من المتفرجين يقرون لي بأنهم أعادوا حساباتهم مع الوالدة بعد ذلك المشهد، مثلا فيهم من ذهب إلى قبر والدته، وفيهم من تنقل لزيارتها، الممثل ليس مطالبا بتربية المجتمع لكن بتنويره، وهي حكايات إنسانية يمكن لأي متلق وضع نفسه في مكان تلك الشخصية. حدثت صدمة للبعض لنجاح “أولاد الحلال” فتعمدوا التشويش والكذب للتقليل من قيمة المسلسل هل تراها هي ضريبة النجاح؟ أكيد، ما سوق مثلا من كون أبناء مدينة وهران عارضوا المسلسل، نشر الخبر في قناة لا أريد ذكر حتى اسمها، بعد الخبر تنقلت بنفسي إلى “بلاص دارم” من أجل التأكد، وظهر أنه شخص واحد كتب تلك الورقة، لا تحمل أي إمضاء من جهة معينة، وماذا أقول في قناة سرقت برامج تريد منافسة قناة الشروق بها. هل ننتظر أولاد الحلال 2؟ نعم ممكن.. هل هناك أزمة سيناريو في الجزائر؟ أكيد، لأنه لا يوجد تكوين، لا تنس، السيناريو هو علم يدرس، تقنيات الكتابة تدرس، الدراما كذلك، توجد هناك كتب عديدة ألفت في كيفية كتابة سيناريو، بالإضافة إلى هذا لا نملك هياكل تؤطر كتاب سيناريو، ممكن هناك كتاب سيناريو موهوبون لكن دون تكوين، في مسلسل أولاد الحلال كان هناك خلل في السيناريو تداركناه عن طريق سكريبت دكتور متكون في فرنسا ومطلع جيدا، نحن في الجزائر لا نعطي الأهمية لهذه المهن الجانبية، ولهذا تجد عندنا كاتب السيناريو هو صاحب الفكرة وهو كاتب الحوار، على العكس في مسلسل أولاد الحلال ركزنا على التخصص، الحوار مثلا، كتب من طرف أربعة أشخاص، بالإضافة إلى سوء التقدير، بالرغم أن السيناريو هو القاعدة الأساسية في نجاح أي عمل. هل المسرح قاعدة أساسية في نجاح الممثل؟ لا، المسرح قاعدة مهمة لكنه ليس شرطا للنجاح والأمثلة كثيرة، المسرح هو الفن الحي وأبو الفنون، أتمنى أن تكون هناك إرادة ثقافية وسياسية لدعم المسرح، خاصة المسارح الجهوية،كما أن صورة الممثل في التلفزيون تخدمه في المسرح. لماذا نجاحات مثل مسلسل “أولاد الحلال” مناسباتية مثل رمضان فقط؟ مشكل التمويل والسوق غير منظمة بالرغم أن هناك أموالا طائلة في الجزائر، توجد هناك طاقات ويمكن أن نقدم خمسة عشر مسلسلا في السنة وفي كل الجهات وبكل اللهجات. ماذا عن حادثة الوزير السابق عز الدين ميهوبي؟ كلمني في الهاتف وطلب مني الحضور إلى مكتب الوزارة فرفضت، قلت له إذا أردت نلتقي بصفتنا رجلين فحسب، وبالفعل أتى والتقينا في فندق الأوراسي، أعطيت رأيي في الثقافة وأعطاني وعودا، لكن بعدها اكتشفت أنه مجرد وزير ضعيف يشعل ويطفئ الضوء فقط في الوزارة كما يقال بالعامية، أي ليس بيده القرار. ماذا عن وزيرة الثقافة الحالية؟ سوف تذهب وكما يقال “ظلموها وظلمت روحها”، لا أعرف اسمها حتى، أتمنى أن تقدم استقالتها وترجع إلى بيتها. هروب وزراء الحكومة في جنح الظلام من المواطنين؟ الشعب في حالة غليان لا يجب أن تظهر عليه هذه الوجوه، لكي لا يزيد الطين بلة. كلمة أخيرة؟ أريد الحديث وتقديم التحية إلى أبطال المسلسل، الذي ضم عمالقة الممثلين على غرار أحمد بن عيسى عميد الممثلين.. هناك لعريبي وملكة بلباي من جيل آخر كذلك، وممثلون من جيل الشباب، يوسف سحايري، نجاح شخصية مرزاق يرجع كذلك إلى نجاج شخصية زينو، محمد خساني الذي تحول من الكوميديا وأبدع في الدراما حاله كحال سهيلة معلم، بالإضافة إلى هيفاء ومريم، شباب أبدعوا وقدموا أدوارا مهمة، وتحية للجميع. باختصار… 12 مليون مشاهد لأولاد الحلال؟ ظاهرة يجب أن تدرس.. المسرح؟ مظلوم في الجزائر.. أولاد الحلال في المسلسل أنسونا أولاد الحرام في الواقع؟ لا يجب أن ننساهم والتركيز على اقتلاعهم.. الحراك الشعبي؟ ظاهرة صحية تنبئ بالخير.. كيف تتصرف مع المعجبين؟ تصلني بعض الرسائل في مواقع التواصل مؤثرة وتشجعني في نفس الوقت وأحسها صادقة.. الفريق المفضل؟ سيدي بلعباس..