عرف المدرب جمال بلماضي كيف يعيد بريق المنتخب الوطني، وهذا بعد الانجاز التاريخي المحقق في كأس أمم إفريقيا التي احتضنتها مصر، حين توج باللقب الإفريقي الثاني ل”الخضر” والأول من نوعه خارج الديار، إنجاز لم يكن ليتحقق لولا البصمة التي تركها جمال بلماضي نفسه، وهو الذي كان انتدابه مسألة حتمية ومطلبا شعبيا رغم أنه لم يكن أولوية لدى “الفاف”، إلا أنه عرف كيف يصنع ملحمة تاريخية بعد عمل جاد على مدار أقل من العام. إذا كانت الجماهير الجزائرية قد تغنت لسنوات بالانجاز الذي حققه المدرب الراحل عبد الحميد كرمالي الذي كان قد أهدى الكأس الإفريقية الوحيدة للجزائر في دورة 90 أمام نيجيريا، فإن انجاز دورة 2019 بمصر سيبقى بصمة مميزة بقيادة الناخب الوطني جمال بلماضي الذي عرف كيف يرتب بيت “الخضر” في أقل من 10 أشهر، حيث تعاقدت معه “الفاف” شهر أوت من العام الماضي، بعد أن استنفذت جميع الخيارات الأخرى بخصوص المدربين الذين وضعتهم في سلم الأولويات، في الوقت الذي شرع حينها في مهمة رد الاعتبار لمنتخب منهار، حتى أنه خيب الظن في الوديات، وعانى الكثير في عهد المدرب السابق رابح ماجر، حتى أنه خسر ثقة الجماهير الجزائرية من جميع النواحي، بعدما انهزم في جميع المباريات الودية التحضيرية في الوطن والخارج. 7 انتصارات متتالية و12 مباراة دون هزيمة مع بلماضي والواضح أن الناخب الوطني جمال بلماضي عرف بمرور الوقت كيف يضخ دماء جديدة في منتخب منهار من الناحية الفنية والنفسية، وهذا على الرغم من الخيارات والنجوم الكروية التي يحوز عليها، خاصة في ظل غياب الاستقرار وسوء الاختيار. وقد تمكن بلماضي منذ خريف العام الماضي كيف يحقق سلسلة معتبرة من النتائج الايجابية، وعلاوة على تحقيقه 7 انتصارات متتالية في دورة كأس أمم إفريقيا التي مهدت للتتويج باللقب القاري، فقد حقق أيضا 5 نتائج متتالية قبل ذلك، ما جعله يحقق سلسلة 12 مباراة دون خسارة، وذلك منذ الفوز بمباراة الطوغو برباعية كاملة في العاصمة لومي، ثم الفوز وديا على قطر بهدف لصفر، والتعادل الايجابي أمام غامبيا بهدف لمثله، لتتوالى الانتصارات الودية والرسمية من بوابة تونس بهدف لصفر، والتعادل بهدف لمثله أمام بورندي، إضافة إلى الفوز أمام مالي ب 3 أهداف مقابل هدفين في إطار التحضيرات ل”الكان” الذي حصد فيه أبناء بلماضي 7 انتصارات متتالية توجت في النهاية باللقب الإفريقي الأول من نوعه خارج الديار. حنكة وعدالة وصرامة بلماضي حولت لاعبين منهارين إلى محاربين والواضح أن المدرب جمال بلماضي عرف كيف يحول الكثير من العوامل السلبية إلى معطيات ايجابية فوق المستطيل الأخضر، خاصة في ظل التركة التي تلقاها أول مرة من طرف المدرب المقال رابح ماجر، حتى أن بعض اللاعبين تم إرغامهم على الاعتزال بصفة غير مباشرة، وفي مقدمة ذلك أحسن حارس في “الكان” رايس مبولحي ولاعب الوسط فغولي الذين شطبهما ماجر من قائمته قبل أن يرد لهما بلماضي الاعتبار، والكلام ينطبق على بلعمري الذي كان قد وصل في وقت إلى درجة الإحباط، وفكر جديا في الاعتزال قبل أن يتحول إلى أحد القلاع الحصينة في دفاع “الخضر”، والكلام ينطبق على قديورة الذي وجهت له انتقادات بعد إدراج اسمه في قائمة 23، قبل أن يتحول إلى ورقة رابحة في تشكيلة “الخضر”، دون نسيان وضعية اللاعب بلايلي عانى الكثير بسبب قضية الكوكايين، وغيرهم من اللاعبين بما في ذلك الركائز التي فقدت اللذة في اللعب، بدليل تصريحات رياض محرز الذي قال بأنه رفقاءه لم يعملوا بالجدية المطلوبة منذ عدة سنوات، إلى غاية قدوم المدرب بلماضي الذي عرف كيف يحول في نظر الكثير من المتتبعين لاعبين منهارين إلى عناصر تظهر بروح المحاربين، والنتيجة أنهم فازوا بجميع مباريات نهائي “الكان” وأزاحوا من طريقهم منتخبات مونديالية كبيرة، في صورة السنغالونيجيريا وكوت ديفوار، والأكثر من هذا فقد حطموا أرقاما فردية وجماعية بالجملة، من ذلك اختيار بن ناصرا حسن لاعب في الدورة ومبولحي أحسن حارس، ناهيك عن البروز اللافت للمجموعة بقيادة محرز والبقية، ما مكنهم من تحكيم عدة أرقام تتعلق بمشاركات سابقة للمنتخب الوطني في “الكان”. وذهب الكثير إلى وصف ما حققه المدرب جمال بلماضي في مدة لا تقل 10 أشهر بالمذهل، خاصة وأن ذلك سمح بمحو نكسات كثيرة ومتعاقبة، من ذلك الخروج من الدور الأول في “كان 2015″، والمهازل التي عرفها بيت المنتخب الوطني فيعهد ماجر، قبل أن يرد بلماضي الاعتبار من النواحي الفنية والبدنية والنفسية، ليتوج ذلك بتزعم إفريقيا في “كان 2019″، وهو تتويج يفتح الشهية من اجل مواصلة التأكيد، والتفكير من الآن في رهانات “كان 2021” ومونديال 2022 بقطر، بغية إعادة الكرة الجزائرية إلى الواجهة من أوسع الأبواب.