السجون والمعتقلات في فلسطين جزء لا يتجزأ من الأدب العربي، الذي يتطلع إلى الحرية، وهو من أصدق أنواع الكتابة، سواء كان ذلك على مستوى النثر أم على مستوى الشعر، واختلفت التسميات حول النتاج الأدبي في باستيلات العدو، فذهب البعض لتسميته “بأدب الحرية”، أو “بالأدب الاعتقالي”، وحرص آخرون على صبغه بمفاهيم إيديولوجية، فأطلقوا عليه “الأدب الأسير”، وذهب آخرون إلى تسميته “بأَدب السجون”، ولكن الجميع مجمعون على أنه يندرج تحت عنوان: “الأدب الفلسطيني المقاوم”. وأدب السجون لم يكتب في الصالونات المكيفة، أو في الحياة المرفهة والبساتين التي تصدح في سمائها الطيور المغردة، بل كتب في أجواء من الألم والأمل، وفي ظل المعاناة والصبر والتأمل داخل محرقة العدو، بين الجدران، ومن خلف القضبان، وثمة فرقٌ بين من يكتبون في الصالونات ومن يكتبون في المعتقلات، ففي الحالة الأولى يأتي أدبهم عاديّا، أمّا في الحالة الثانية، فيضيء أدبهم بإشراقات جمالية، تضفي حياة روحية متوقِّدة، حيث إن المعاناة والألم مصدراً وحاضنة دافئة للعطاء والإبداع، المشع على طريق الحق والخير والجمال، حيث تتفجر الطاقات الإبداعية من خلال ممارسات القمع اليومية للسجان في أقبية السجون، التي شكلت تربةً خصبة لتفتُّح هذا الإبداع. أدب السجون في فلسطين هو أدب مقاومة، وهو جزء من الأدب العربي المعاصر في فلسطين، والأدب الوطني والقومي، والأدب العربي والعالمي الحديث، لما يحمل من مميزات وخصائص، وحس إنساني وعاطفي، ورقة مشاعر وأحاسيس ومصداقية، وقدرة على التعبير والتأثير، وهو كل ما كتبه الأسرى داخل الاعتقال وليس خارجه، بشرط أن يكون من أجناس الأدب كالرواية والقصة والشعر والنثر والخاطرة والمسرحية والرسالة، ويفرق الباحث بين “أدب السجون” المستوفي للشروط الأدبية، وبين “أدبيات وإنتاجات الأسرى الأخرى” التي كتبوها داخل الاعتقال، كالدراسات السياسية، والأبحاث التاريخية والأمنية والفكرية، والكتب في مجالات متنوعة، والترجمات من الصحف الإسرائيلية وغير ذلك من المجالات غير الأدبية. فيشكل موضوع اعتقال المناضل ونقله من حياة الحرية إلى حياة السجن، مجرد انتقال بالمكان بالنسبة للمعتقل السياسي، وهو يحرص دائماً أن يجعل من قضية اعتقاله ووجوده في السجن مناسبة لطرح قضيته الأكبر والأساسية التي آمن بها واعتقل من أجلها، وفي مختلف التجارب التي مررنا بها في أدب السجون نجد على الدوام بأن المعتقلين السياسيين يشكلون لجنة هدفها إيجاد مختلف الوسائل للاتصال بالعالم الخارجي لكي تطرح عليه قضية اعتقالهم. والمشترك لكل الشهادات والمذكرات والأعمال الأدبية التي خرجت من السجون للأسرى السياسيين بشكل عام هو التصوير الحي والمكثف لصمود الإنسان الأعزل إلا من قناعاته في وجه آلة القمع وأساليب البطش، وتصوير شكل الصراع القائم بين الجلاد في مواجهة المناضل، السياط والكهرباء في مواجهة العقيدة والايمان، محاولات الإذلال والتركيع في مواجهة محاولات التصدي والصمود، الفرد في مواجهة السلطة.