بدعوة كريمة من الأخ مهدي حسين، زميلي في الدراسة في الكويت الشقيقة، توجهت يوم السبت الماضي تلقاء معمّرة (زاوية) سيدي اعمر الشريف، الموجودة في بلدية سيدي داود، دائرة بغلية، ولاية بومرداس، وماهي من مدينة دلّس ببعيدة. وتقع هذه المعمّرة في السفح الجنوبي لجبل بوبراك، الذي يشرف من جهته الشمالية على البحر. المكان ساحر بمناظره الخلابة المتنوعة، من جبال وروابي، وتلال، ووديان، وسهول، تنبت ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.. وكل ذلك مما يزيد المؤمن بالله – عز وجل- إيمانا بعظمته، وقدرته، وحكمته.. فما أتعس غير المؤمنين، وما أشقى البعيدين عن الله – عز وجل- المجادلين فيه بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، فهم – كما جاء في القرآن الكريم- “شر الدواب”، بل هم أرخس وأرذل لأن الدواب لم يرزقها الله العقل، فهي لم تخرج عن فطرتها. لقد تضاعف سروري بلقاء إخوة أفاضل، على وجوههم نور الإيمان، وعلى ثغورهم ابتسامات الأمل، وعلى ألسنتهم عبارات المودة.. وقد جاء هؤلاء الإخوة من أماكن متفرقة قريبة وبعيدة، لا أنساب طينية بينهم، ولكن الناظر إليهم المتأمل فيهم يستيقن عندما يراهم مقبلين على بعضهم بعض أنهم إخوة، أليس المؤمنون إخوة كما قضى الله، الذي له الأمر من قبل ومن بعد؟ فلماذا ينعق غربان السوء ويدعون إلى إدخال دين غير الإسلام إلى الجزائر؟ يقول أهل هذه المنطقة إن هذه المعمّرة أسّست منذ أكثر من أربعة قرون، وقد أسسها عبد الله الصالح عمر الشريف، لنشر العلم، وحماية العقيدة من الأباطيل والبدع التي يلصقها المجاهدون وأهل الأهواء بالدين الحنيف.. وإذا كان تحفيظ القرآن الكريم وتعليم العلم “جهادا”، فإن هذه المعمّرة جاهد أهلها وطلابها جهاد النفس مع الأمير عبد القادر الذي زارها، ومع المجاهدة فاطمة نسومر، ومع المقراني.. ثم في جهاد 1954.. ولهذا كانت تتعرض طيلة الوجود الصليبي الفرنسي إلى التخريب والتهديم وقتل من فيها من العلماء والطلاب.. خاصة في عهد فرعون تلك الناحية المسمى آبّو (ABBO)، الذي كان رئيس بلدية سيدي داود من كبار الغاضبين لأرضها. ومما أعجبني ما سمعته من أهل الذكر في تلك المعمّرة – عمّرها الله – أن ممن تداولوا على التعليم فيها فضيلة الشيخ العباس بن الحسين وأخواه الشيخ مرزوق والشيخ رضا. إن أهل المعمرة الآن قائمون على مشروع جليل يتمثل في إعادة بنائها بعدما تهدّم منها ما تهدم، وتصدّع ما تصدّع، ونيتهم معقودة على أن يجعلوا من هذه المعمرة معهدا علميا – دينيا كبيرا، ويرجوه مساعدتهم في ذلك.. وقد أعجبني – أيضا- الاسم الذي أطلقه الإخوة على الجمعية المسيّرة للمعمرة ولمشروع تجديدها وهو “جمعية نور العلم”. وهل الإسلام إلا العلم المحصّن بالإيمان؟