وقّع الكاتب والإعلامي والناشط الثقافي الجزائري، عبد الرزاق بوكبة، كتابه الأدبي الجديد في معرض الشارقة الدولي للكتاب، بحضور نخبة من الكتاب والإعلاميين والمثقفين العرب وإقبال كثيف من زوار المعرض من مختلف الجنسيات العربية. حمل الكتاب الذي صدر عن دار “الآن.. ناشرون وموزعون” الأردنية عنوان “ظلّ متحجّر لطائر لا يهدأ” وهو تجربة في القصة القصيرة جدا قال عنها القاص المغربي عبد الله المتقي أنها خروج عن المتداول في سوق القصة القصيرة جدا. وهذا الخروج عن المألوف يعني في نهاية الأمر تقطيرا للحكي وإعلانا عن الدخول إلى عوالم القاص المكثفة والمقطّرة. وقال بوكبة في حديث جمعه ب”الشروق” إنه “مدين، في هذه التجربة القصصية، للّحظات الثرثارة التي عاشها في الحياة، فالثرثرة هي ما أحاله على الاختزال الذي يعتبره ركيزة الإبداع، “فأنا أستمتع بالانطلاق من لحظة ثرثارة لكتابة قصة أقصر من يد ابنتي الصغيرة، في مقابل انطلاقي من لحظة خاطفة وقصيرة لكتابة رواية كاملة”. يتكون الكتاب من 32 نصّا وكلها بعناوين ذات كلمة واحدة. مثل “المفكر” و”الشاعر” و”المصور” و”الفلكي” والسائق” و”الكاتب و”العاشق” و”الملحد” و”الصوفي”. إنها عوالم، يقول بوكبة، مغلقة وخاصة بشريحة معينة، فحاولت اختراقها وإخراجها من مقام الخاص إلى مقام العام، ذلك أن لكل شريحة أحلامها وأوجاعها ومخاوفها وطموحاتها الخاصة بها. وهي في العادة غير مرصودة، إذ في العادة ننظر إلى كل شريحة وفق أحكام جاهزة ومعلبة ومسبقة، بينما تعمل الكتابة والفن عموما على طرح تلك الأحكام جانبا والاعتماد على عين خاصة في محاولة الوصول إلى الجوهر. ويرفض بوكبة الحكم القائل أنه شاعر خان الشعر، لأنه يتعاطى، بحسبه، الكتابة عموما لا جنسا منها فقط. فهو يقول أنه شبيه بالطبيب العام الذي يستقبل جميع أصناف المرضى. وما الشعر إلا رافد من روافد الكتابة لديه. قد يكتبه صرفا وقد يدمجه في جنس آخر، مثلما في فعل في هذه التجربة، “أنا أصلا محاصر في هذه الحياة، فلما أحصر نفسي في جنس أدبي واحد وأنا أعبر عن هذا الحصار”. وعن كيفية التوفيق بين مشروعه الإبداعي ومشروعه الثقافة، خاصة مشروع المقهى الثقافي الذي أطلقه رفقة نخبة من الشباب في مدينة برج بوعريريج، واستطاع أن يفرض نفسه في صدارة النشاطات الثقافية وطنيا، يقول عبد الرزاق بوكبة أنه ينطلق في كل ما يفعل من شغفه الخاص، وهو بهذا يستمد طاقته منه، “كل فعل نقوم به انطلاقا من شغفنا الخاص لا نتعب منه ولا نُتعب الآخرين به. وأنا أتعامل دوما مع كل ما أنجزته إبداعيا وثقافيا على أساس أنه مجرد تمارين تسخينية. أطمح – يقول بوكبة – رفقة شركائي في الميدان، إلى أن أقدم نموذجا حيا على قدرة النخبة المثقفة والمجتمع المدني على بعث مشاريع ثقافية جيدة وجادة بعيدا عن الرؤية الرسمية التي طالما سخّرت النشاط الثقافي لخدمة الأجندة السياسية الحاكمة، “ونحن نسعى إلى تحويل برج بوعريريج إلى عاصمة ثقافية وطنية حقيقية، ونحن نعتمد على النخب الجديدة، ذلك أن النخب الكلاسيكية بقيت أسيرة أحقادها وأطماعها القصيرة”. وأضاف “لقد تجاوز المقهى الثقافي في برج بوعريريج كونه جلسة دورية إلى كونه مشروعا يضم عدة روافد، انطلقنا في بعضها وسننطلق في أخرى، وفق ريتم بطيء لكنه واثق وطموح”، مثل “المقهى الثقافي طريق سيار” و”المقهى الثقافي براري” و”المقهى الثقافي أطفال” و”المقهى الثقافي لذوي الهمّة” أي ذوي الاحتياجات الخاصة” و”مكتبة في مقهى” و”ومكتبة في حافلة” وتوقيع الكتب عند مداخل الملاعب”. وقال: “علينا أن نخرج الفعل الثقافي إلى الشارع من غير الوقوع في الابتذال، فقد قضينا عقودا من صرف المال العام على نشاطات تقع في قاعات مغلقة، فلا تحضرها إلا الوجوه المحسوبة على المثقفين، بما أسس لهوّة بين الشارع والمثقف”. وأكد بوكبة أن “مدى مصداقية المثقف لا تتأتّى من تعاليه على شارعه بل من اندماجه فيه وتغذيته برؤى ومقولات ومشاريع جديدة. وإن الاكتفاء بالبرامج الثقافية الحكومية هو تزكية مجانية من المثقف لنظام يهدف إلى إلهاء الشارع بما يسميه نشاطات ثقافية بما هي مجرد فقاعات تبلغ المال العام من غير أن تصنع وعيا عاما”.