دخلت الحكمة، عثمان لمياء، تاريخ كرة القدم، بعد أن أدارت بامتياز نهائي الألعاب الإفريقية، التي لعبت بالمغرب، بين المنتخبين الكاميروني ونظيره النيجيري، ونالت ثقة الاتحاد الإفريقي والاتحاد الدولي لكرة القدم.. وأكدت أن هدفها هو إدارة نهائي كأس العالم للسيدات، وأثنت ضيفة الشروق العربي على عائلتها، التي حفزتها على الدخول إلى السلك التحكيم، الذي أوصلها إلى العالمية. كما تطرقت إلى الأسباب التي جعلتها تدخل التحكيم، الذي كان حكرا على الرجال. دخلت التاريخ، باعتبارك أول حكمة جزائرية، تتألق بإداراتها بامتياز نهائي الألعاب الإفريقية، بين نيجيريا والكاميرون.. ما تعليقك؟ تريد الحقيقة.. هدفي، منذ دخولي عالم التحكيم، هو إدارة نهائي كأس إفريقيا، وليس فقط نهائي الألعاب الإفريقية، لأنني، منذ بداية مشواري في التحكيم، كنت أقول للسيد الشريف بن زمران، أحد الذين تكوّنت على أيديهم، طموحي هو الذهاب بعيدا في سلك التحكيم، والوصول إلى إدارة نهائي كأس إفريقيا، ولم لا نهائي كأس العالم.. يعني أن حلمك هو إدارة نهائي كأس العالم؟ ليس حلما، بل هو هدف أسعى لتحقيقه، لأنني، منذ أن دخلت هذا الميدان، منذ عشر سنوات، وأنا أعمل كل ما في وسعي للوصول إلى المستوى العالي. أعرف أن ذلك صعب جدا، ولكن، بالعمل والإرادة، الحلم يصبح هدفا وحقا مشروعا. زد على ذلك، أنني أحب التحكيم، وأحب التحدي أيضا، وأسعى جاهدة للوصول إلى القمة. أعرف أن ذلك يستدعي الكثير من التضحية، وأنا مقتنعة، اليوم، بأنه بإمكاني تحقيق هدفي، وهو تحكيم نهائي كأس العالم للسيدات. مستعدة إذن لهذا التحدي؟ هذا السلك، كان محتكرا من طرف الرجال. اليوم، لكي تصل أي امرأة إلى الميدان وتحكيم لقاء كروي، يستدعي ذلك أولا الشجاعة، وثانيا، أن تكون في المستوى لتصبح “مقبولا” لدى اللاعبين، وثالثا، التحدي الذي يمكّنك من البروز والتألق، لكن، كل هذا لن يأتي إلا بالعمل الدؤوب والمثابرة. أؤكد لكم اليوم، أنني غالبا ما أضحي بأمور عائلية من أجل التحكيم. فمثلا، أغيب مرات عديدة عن الحفلات والأعراس العائلية، بسبب التحكيم، وأضحي بالكثير من المناسبات، لأنني أريد أن أصل إلى هدفي، وهو الذهاب بعيدا، والوصول إلى القمة، التي أسعى دائما إلى تحقيقيها، رغم الصعاب التي أجدها في الملاعب..كما أنه يتطلب مضاعفة المجهودات، لأن المجتمع يرفض امرأة حكمة في كرة القدم، عكس الحكام الرجال، لكن، في آخر المطاف، نطبق نفس القوانين، ونجتاز نفس الامتحانات الكتابية والبدنية. فيم كانت تفكر لمياء خلال إدارتها نهائي الألعاب الإفريقية؟ الشيء الذي راودني لما عينت لإدارة نهائي الألعاب الإفريقية، هو أنني جزائرية، ويتوجب عليّ تشريف بلدي، وكل الذين وضعوا ثقتهم فيّ، باعتباري أول جزائرية تدير لقاء من هذا المستوى. اللقاء، لُعب حتى الوقت الإضافي، وبشهادة الجميع، تلقيت التهاني من الفريقين، نيجيريا والكاميرون، على حسن أدائي للقاء، الذي يبقى راسخا في ذهني، وفتح لي الأبواب من طرف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الذي عيّنني بعده مباشرة، في لقاء كروي لعب في غانا، بين المنتخبين الغاني والغابوني، الذي يدخل في إطار إقصائيات الألعاب الأولمبية منطقة إفريقيا.. والحمد لله، نجحت في مهمتي بامتياز. هل تذكرين أول لقاء لك كحكمة؟ وبم تحتفظين من تلك المباراة؟ نعم.. أول لقاء حكمته، كان بملعب 20 أوت بالعاصمة، رافقني يومها السيد بن مجبر، رئيس رابطة ما بين الجهات. لقد تلقيت يومها بعض الانتقادات، التي زادتني تحديا لمواصلة المشوار، كما أتذكر لقاء الأصاغر، بين اتحاد العاصمة ونصر حسين داي. لم أصفر يومها ضربة جزاء، لكن السيد بن زمران وقف معي، وشجعني كثيرا طيلة مشواري.. أشكره بهذه المناسبة، على كل ما يقوم به لتوجيهي، إضافة إلى السيدة مولة، التي أعطتني دفعا كبيرا، وجعلتني أحب كثيرا هذه المهنة. كيف راودتك فكرة الدخول إلى عالم التحكيم؟ وهل مارست كرة القدم في أي فريق مهيكل؟ لا.. لم أكن لاعبة كرة قدم، بل مارست ألعاب القوى. والسبب، عدم وجود أندية نسوية في مدينتي، برج الكيفان، لكنني، منذ صغري، أشاهد لقاءات الكرة، ولعبت أحيانا مع بعض أفراد عائلتي الكبيرة. وأعرف جزئيات هذه اللعبة، من التماس إلى التسلل.. يعني قوانين الكرة. بعض أفراد عائلتي، نصحوني بالدخول إلى التحكيم. مازلت أذكر أنني عندما تنقلت إلى الرابطة لأدخل تربص الحكام، قال لي أحد الأشخاص: لا نملك حكاما نساء، رغم أنني تركت له طلبا للانضمام إلى سلك التحكيم، لكنه تجاهل طلبي.. لكنني، عدت مرة أخرى، وتلقيت الترحاب من السيد السعيد بوبراد، وأعضاء الرابطة، الذين شجعوني، ودخلت عالم الصافرة، حيث كنت الأحسن في الدفعة. ورغم بعض العراقيل التي واجهتني، إلا أنني لم أفقد أبدا الثقة، وسأبقى أشرّف بلدي وعائلتي، محليا ودوليا. من هو الحكم الذي قلت يوما أريد أن أصل إلى مستواه؟ الحكمان الدوليان السابقان، حيمودي وبنوزة، أعتبرهما قدوتي في التحكيم. حيمودي، شرّف التحكيم الجزائري، ودخل التاريخ بإدارته أربعة لقاءات في كأس العالم، لكن، تعجبني الطريقة التي كان يدير بها بنوزة اللقاءات. ما زلت، إلى يومنا هذا، أشاهد بعض لقاءاته. كيف وافقت عائلة عثمان على دخول الابنة لمياء عالم التحكيم؟ والدتي “تونسية”، تحب كرة القدم، وهي متابعة دائمة لهذه اللعبة، وتناصر المولودية، ووالدي، شجعني على الدخول إلى التحكيم، وساندني كثيرا، وكان يرافقني أثناء تنقلي إلى الملاعب، إلى غاية وصولي إلى حكم فدرالي. عائلتي ساندتني كثيرا، ووقفت إلى جانبي، ولولا ذلك لتوقفت عن التحكيم. أتذكر جيدا كيف كان والدي يحضر كل اللقاءات، التي كنت أحكمها، وكان سندا لي. والآن، لما أصبحت أحكم خارج ولاية الجزائر، وكبرت نوعا ما، (تضحك).. أصبحت أتنقل مع زميلاتي. وهذه هي حلاوة التحكيم. هل تنصحين الفتيات بدخول عالم التحكيم؟ طبعا، أنصح الفتيات بدخول عالم التحكيم، لكن، عليهن بشخصية قوية، ليتمكنّ من البقاء في هذا السلك الصعب جدا، الذي كان لسنوات حكرا على الرجال.. والتغلب على العادات التي تسود مجتمعنا. علما أن “الفيفا” تسمح للحكمات بلبس الخمار. أؤكد لكم أن رابطة الوسط، وعلى رأسها السيدان بولفعات وبن زمران، يقفون وراء الحكمات، ويساندونهن في التحكيم. وعلاقتك مع الفاف؟ نجد كل مساعدة من الاتحاد الجزائري لكرة القدم، حيث يحضرون لنا كل شيء، خاصة أثناء تنقلنا إلى الخارج. ما الفرق بين التحكيم في الجزائر وفي القارة السمراء؟ في الجزائر، كل اللقاءات التي حكمتها، كانت في العشب الاصطناعي، لكن في الخارج، تلعب اللقاءات في العشب الطبيعي، رغم ذلك، استطعت التألقم مع بذل جهد إضافي فقط. والفرق أيضا، أن الحَكمة لا بد من أن تكون في لياقة جيدة، لتتمكن من إدارة لقاءات في المستوى. بوصولك إلى هذا المستوى، ألم يحن الوقت لإدارة لقاءات القسمين، الأول والثاني؟ أنتظر اليوم الذي أحكم فيه لقاء في القسم المحترف الأول أو الثاني. أعرف أن الجميع لا يتقبل أن تحكم امرأة لقاءات المحترف الأول والثاني، لكن، لو نبدأ كحكم رابع، رويدا رويدا، فالجمهور يتقبل ذلك. أتمنى لو تسند إليّ يوما مهمة إدارة لقاء في القسم المحترف. كيف تتمكن لمياء من التوفيق بين عملك كأستاذة في التربية البدنية، وربة بيت، وحكمة في كرة القدم؟ تريد الحقيقة.. أنا أنظم وقتي جيدا. مرات عديدة، أتدرب في الخامسة صباحا، وأتنقل إلى عملي في الثامنة صباحا، وأؤدي واجباتي المنزلية بعدها. إنها تضحية حقيقية. ورغم التعب والجهد الذي أبذله والنتائج التي حققتها في التحكيم،كل هذا يزيدني قوة وإرادة لمواصلة مشواري.