لا تزال الوفاة “التراجيدية” لخريج “ألحان وشباب2″، “فنان العرب”، محمد الخامس زغدي (26 سنة)، تصنع منشورات وتغريدات الفنانين ومحبي الفقيد، بالرغم من مرور أسابيع على رحيله!!.. موت فجع له الوسط الفني ومقربو الفنان، الذين لم يصدق معظمهم أن “زغدي”رحل في هذا العمر المبكر.. وهو من كان- رحمه الله- يحلم ويخطط لإطلاق الجديد. خيّم الحزن على الوسط الفني الجزائري في صبيحة 30 سبتمبر 2019، بعد رحيل محمد زغدي.. هكذا، سينعي الجمهور في هذا الشهر، فنانين اثنين، بدلا من فنان واحد.. فالمرحوم حسني أيضا رحل ذات 29 سبتمبر 1994م.. وشاءت الصدف أن يرحل الفنانان في عمر واحد (26 سنة) !!. كان زغدي يحلم بالكثير لتقديمه في مجال الأغنية الجزائرية الأصيلة.. فقد كان الفقيد يحارب لإعادة الطرب والفن الأصيل للأغنية المحلية، ولعل من شاهد آخر فيديوهاته وهو يتحدى مُغني “الروبوتيك”، سيعي حجم المسؤولية التي كان يشعر بها.. لكن قدره شاء أن يرحل بعد موت تراجيدي غير منتظر، رحمه الله. الفاجعة وقعت في حدود الرابعة فجرا.. توفي الراحل متأثرا بإصابة بليغة في الرأس، بعد سقوطه أمام منزله، الواقع بحي الرمال في وادي سوف. هكذا، أوردت مصالح الحماية المدنية، وشخّصت سبب الوفاة، قبل أن تؤكده عائلة زغدي.. يقول والد محمد: “ما حدث، أن محمد الخامس تسلق عمودا كهربائيا بعدما نسي مفتاحه، ولأجل ذلك، تسلق العمود ليدخل البيت ويحضر مفتاح المستودع لركن سيارته، لكن قدره أن توازنه اختل فسقط أرضا”. ويضيف والد المرحوم، في حديثه مع مجلة “الشروق العربي”، أن ابنه المرحوم تعمّد تسلق العمود، وفتح الباب كي لا يزعج باقي العائلة، خاصة أن الحادثة كانت في حدود الرابعة صباحا.. والده: لم أستوعب مشهد ابني محمد الخامس وهو غارق في دمه لم أستوعب مشهد محمد وهو ميت.. وعن تفاصيل أوفى حول الحادثة، يقول والد محمد الخامس، الحاج خليفة: “في البداية، لم أستوعب مشهد ابني محمد، وهو ملقى على الأرض غارقا في دمه.. شككت للوهلة الأولى أنه قُتل، إلى أن اتضح لي أنه كان قضاء وقدرا، من خلال كاميرات المراقبة لجار يسكن في نفس حينا، التي صورت الحادثة صوتا وصورة”. وعن موقفه من دخول ابنه عالم الغناء، يقول المتحدث إلى مجلة “الشروق العربي”: كلا، لم أشجّعه، وفي نفس الوقت لم أرفض. محمد كان شخصا يتأنى جدا قبل القيام بعمل ما أو اتخاذ أي قرار، خاصة إذا لم يكن يثق مليونا بالمئة به.. كما كانت ثقتي فيه كبيرة جدا. صحيح، لم أعارضه.. لكننا كنا نتناقش.. هدفه في الأساس كان دائما علمه، فهو منذ سنوات كان يريد الدخول إلى “ستار أكاديمي”، أو برامج عربية أخرى، فهذا هو حلمه.. أنا بالتأكيد لم أحمّسه، ولكن لم أكن لأقف أمام حلمه، كما أنه وبعد انتهاء دراسته لم يكن من الممكن أن أعاند رغبته”. أمه: حرقة فراق ابني محمد الخامس صعبة جدا فهو مدلل العائلة وسندي في الحياة على هامش زيارتنا إلى بيت الفقيد، في وادي سوف، لم يكن ممكنا أن نغادر المكان دون أن نلتقي والدة محمد الخامس، الصدر الحنون والحضن الدافئ الذي كان يلجأ إليه المرحوم..لم تتماسك وهي تتحدث عنه، فقد كانت دموعها لا تفارقها قط.. تقول والدة زغدي ل “الشروق العربي”: “في بداية الأمر، كنت مصدومة.. غير مصدقة.. كابوس استفقت عليه.. أجد صعوبة في نسيانه وفراقه يوجع.. لن أحدثك عن شعور الأم، لأنه لا تحس به إلا الأم.. الأصعب، أنه كلما كانت تمر الساعات والأيام، كان يزيد شوقي إليه. لم ولن أنساه.. كل حركة وكل عمل قام به محمد الخامس يمر من أمامي في شكل شريط (تبكي).. فهو مدلل العائلة وسندي في البيت، وحرقة فراقه صعبة جدا.. وهنا سألناها.. ما رأيك في بعض الفنانين الذين قدموا تعازيهم عبر مواقع التواصل ولم يتحملوا مشقة السفر لتعزيتكم؟ هم مشكورون، ولكن على حسب علمي، أنه لو كان ابني محمد على قيد الحياة، وسمع بحالة وفاة مست أحد أصدقائه، لا أظن أنه سيكتفي بكتابة منشور تعاز عبر أحد مواقع التواصل… ابني ساعد الكثير ولم يبخل على أحد، سواء فنان معروف أم شخص عادي.. كنت أنتظر تهاطل الأصدقاء ومشيهم في جنازته، على غرار أهل المنطقة، حفظهم الله، خاصة من كانوا معه في برامج الهواة، أو غنوا معه في الحفلات، أن يكونوا في الصفوف الأولى للعزاء، ولكن للأسف.. ماذا تقولين لمحمد لو يسمعنا اليوم؟ أحبك يا فلذة كبدي (باكية)، وربما أقول له لو عاد بنا الزمان إلى الوراء، لما سمحت لك بدخول “عالم الفن “، ولكن من جهة أخرى، أقول: نحن لسنا أعظم من الله وقدر الله. إيماني يقول إن الذي حصل سيحصل سواء دخل عالم الفن أم لا، لكن ربما، لأنه شعور الأم، كنت سأمنعه من ولوج هذا العالم. ابن عمه وصديقه الأيتيم: علاقته مع المولى عز وجل كانت قوية ولهذا يرفض الأغاني السوقية والغناء بالملاهي ابن عمه، مراد الزغدي، صديقه الأنتيم (المقرّب)، أبى إلا أن يصرّح إلى مجلة “الشروق العربي”، عن جوانب من حياة الفقيد، لا يعرفها الكثير.. فقال: “محمد الخامس كان إنسانا خيّرا إلى درجة غير عادية، حتى إنه كان يتصّدق بأموال معتبرة لبعض المنازل ودون أن يحب ذكر اسمه. علاقته مع المولى- عز وجل- كانت قوية جدا.. سواء في صلواته أم صيامه، بدليل أنه كان يرفض أي كلمة خادشه للحياء أو بها كلام يمس المستمع، كما كان يرفض الغناء في الملاهي الليلية أو الحفلات التي بها شبهات.. والدليل ما صرّح به في “فيديو” عبر حسابه الخاص، قائلا إنه لم ولن يغني أغاني دون المستوى، حتى لو وصلت به الحال إلى الاعتزال”. وعن أيامه الأخيرة، قال مراد، ابن عم الفقيد: “أتذكر جيدا أن الراحل كان يودع أصدقائه وعائلته فردا فردا، وكأنه شاعر بالفراق.. وما أكد لي هذا، عندما صرّح لي بمكان كان قد وضع به مبلغا ماليا ليكون قيمة عمرة والديه وأخته القريبة منه، “هجيرة”، التي هي زوجتي في نفس الوقت. أخته الصندوق الأسود لمحمد الخامس أخي كان سيحيي حفلة مع محمد عبده ويحضر لزواجه من جهتها، أخت محمد الخامس، التي تعد أكبر وأول داعمة له في الفن “هجيرة”، لم تستوعب خبر وفاته، رغم أنها كانت آخر من رأته قبل وفاته.. اقتربنا منها وحاورناها.. فكانت هذه التصريحات: على حسب علمنا أنك كنت أول مشجعة للمرحوم لدخول عالم الغناء؟ إلى آخر لحظة في حياته كان يستشرني.. منها استشارته لي في حفلة كان ينوي أن يحييها مع فنان العرب محمد عبده.. أيضا تسجيله لأغنية بالجزائر العاصمة كانت تحمل إيقاعا جديدا، وفي نفس الوقت رأى بأنها نقلة خاصة له.. إلى جانب كل هذا، سفره إلى فرنسا وسعيه لدخول العالمية. ماذا عن آخر حديث دار بينكما؟ كان حزينا جدا بأيامه الأخيرة، حتى إنه قال لي سيسافر إلى فرنسا وربما سفريته قد تطول.. فأوصاني بأمي وأبي وحتى أبنائي، لأن محمد يحب الأطفال الصغار.. وآخر كلمة قالها لي: “أتمنى أداء العمرة معك ومع أمي وأبي”. المقربون من محمد يصفونه بأنه كان مثاليا في تصرفاته ومعاملته الآخرين؟ بكل تواضع، أقول: أكيد.. لأنني أعرف كيف كانت مسيرة أخي.. والكل يعرف أن حياته كانت مثالية، من أيام دخوله المدرسة إلى آخر يوم من عمره.. لم يزعج أحدا يوما ولم يؤذ أحدا.. كان محبّا للجميع. لهذا السبب، أقول: إذا كان للطيبة عنوان، فهو محمد الخامس، أخي، الذي لا يعرف الكره والنميمة والفتنة. ماذا عن آخر مشاريعه؟ بالنسبة إلى مشاريعه الشخصية، المعروف أن أخي كان مرتبطا بالخطوبة، وكان ينوي الزواج ويحضر له.. وأذكر أنه أوصاني بأن أكون أنا وزوجي المكلفين بكل ما يخص زواجه، حتى غرفة نوم فراش الزوجية اشتراها.. رحمة الله عليك يا أخي.