ترعرت في عائله فنية، تعشق الفن.. فوالدها، الفنان الكبير، حسام تحسين بك، أعطاها الكثير من الصفات، التي تجعلها فنانة مهمة في عالمها، فدخلت المعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرجت لتدخل عالم الدراما السورية، ولتحلق في سماء النجومية في ما بعد. وبدأت تتوالى أعمالها ونجاحاتها، التي لم تقتصر على التمثيل فقط، لتصل إلى الكتابة، وأخيرا الإخراج السينمائي. إنها صاحبة الرّوح الطفولية، والملامح الأجنبية المتميّزة، النجمة السورية الشابة، نادين تحسين بك، التي كانت ضيفة "الشروق العربي"، وكان هذا الحوار معها، عن مجمل أعمالها، ورؤيتها للدراما السّوريّة والجزائرية، وأمور أخرى، عن حياتها الخاصّة وشخصيّتها، قبل وبعد الأزمة والحرب في سوريّا. نبدأ لقاءنا هذا بالأحداث التي تعيشها سوريا حاليا، ما الأشياء التي تغيّرت في شخصيّة نادين بعد هذه الأحداث؟ تغيّر الكثير.. فأنا نضجت بشكل مفاجئ، وهذا ما أصاب جميع السّوريين. وهذا النوّع من النّضج نوعا ما مؤلم، لأنّه مبنيّ على حزن وألم، وكأنّ الدّنيا تجبرنا على أن نكبر قبل أواننا، فأنا عن نفسي، لم يكن لديّ رغبة بهذا النّضج. كنت أحب حالة الطّفولة، التي لازمتني فترة طويلة، والأزمة، للأسف، أفقدتني طفولتي. لبنان أصبحت مقصدا للتصوير؛ هل أنت مع هذا الخيار، أم إنك تحبذين التصوير في سورية، رغم كل الظروف؟ عندما يكون التصوير في لبنان، أو أي دولة أخرى، من ضرورة العمل الدرامي، كأن تكون جغرافية العمل تتطلب ذلك، فمن المؤكد أن أكون مع الفكرة، وفي نفس الوقت، هناك أماكن كثيرة تخدم العمل الدرامي، ولكن بات من المستحيل التصوير فيها. أنا لست مع التصوير خارج سورية، حين يكون من الممكن أن تصور جميع مشاهد العمل داخل سورية، دون عقبات.. فالمسؤولية التي تقع على كاهل الدراما السورية، من هذه الناحية، لا يستهان بها. فكثرة التصوير في الخارج من دون داع، جعلت الكثير من الناس لا يصدقون أن خاتون، وياسمين عتيق، وحائرات، ووردة شامية، وغيرها من الأعمال السورية قد صورت في سورية.. وهذه نقطة تسجل على من أتاح للناس في الخارج فرصة تضخيم الحالة، وجعل الحياة والعمل في سوريا مستحيلين. كيف كان موقفك من العدوان الأمريكي، الذي جرى الحديث عنه على بلدك سورية؟ سورية ليست وطني فحسب، إنها وطن لا تشبهه أوطان الدنيا. سحرها اتفق عليه كل من داس ترابها، وهي الوطن العربي الوحيد، الذي وقف إلى جانب كل عربي دخل إليه فاحتواه، فيه من العراقة والحضارة ما يكفي ليوزع على العالم كله. وطن كهذا لا يسأل ابنه عن موقفه من العدوان عليه. ما عشناه بسوريا يفترض أن يكون درسا للجزائريين وللعالم كله أين أنت من أزمة بلدك والانقسام الحاصل بين الفنانين؟ لا أجد نفسي في الانقسام، ولن أجد نفسي فيه يوما، فسحر بلادي دائما كان يكمن في تلاحمنا، وما يهمني حقيقة أبناء وطني وحبهم لبعضهم. لا تعنيني السياسة، فلطالما كان لها مداخل ومخارج لا يفهمها المواطن العادي، مع أن الشعب السوري في هذه الأزمة تحول نوعا ما إلى محلل سياسي، وله رأيه ووجهة نظره، مثلما هي الحال عندكم بالجزائر. ولكنني، حتى الآن، لم أشعر برغبة في ذلك، فكل الآراء السياسية نتيجتها واحدة، وهي تزايد الاختلاف والتشدد في الرأي. ما أعنيه ببساطة، أنني أحاول أن أبقى بعيدة عن كل هذا، لأنني مصرة على أن يبقى الشعب السوري يدا واحدة، وأتمنى ألا تظل هذه الأمنية فقط داخل مخيلتي، كما أنصح الشعب الجزائري بالحفاظ على أمن بلده والاستقرار فيه، لأن الأمن لا يشترى بمال الدنيا، وما عشناه في سوريا، من المفروض أن يكون درسا لكم وللعالم كله. يبدو أنك منشغلة هذا العام بأعمال درامية كثيرة في سوريا. هل هذا ما دفعك إلى الاعتذار عن أعمال خارج سوريا، حيث سمعنا أنك رفضت العديد من الأدوار.. أم إن هناك سببا آخر؟ انشغالي بأعمال أخرى أحد الأسباب، ولكن نوعية الأعمال وفكرتها هي التي جعلتني أعتذر عنها. فالأعمال التي قدمت لي كانت مكتوبة بطريقة لا تحترم عقل المشاهد، وفحواها ومضمونها غير مقنع لي، ولا يناسب طموحي الفني، وهي أعمال تجارية، هدفها التسويق فقط. ومن بين تلك الأعمال أفلام سينمائية في مصر ومسلسل في لبنان، كما أرفض بشدة الأعمال العربية المشتركة، التي أصبحت تقدم مواضيع بعيدة كل البعد عن الفن الحقيقي. هذا، بالإضافة إلى أن النصوص التي قرأتها لم تكن تناسب الفن الذي أريد أن أقدمه. تحدثت أخبار مفادها أنك تنوين مغادرة سوريا والإقامة خارجها.. هذا الكلام غير صحيح، ومفبرك أيضا، وقد أزعجتني تلك الأخبار.. لذلك، نشرت عل صفحتي على الفيسبوك ردا على هذا الكلام، قلت فيه إنني بنت سوريا، عشت وسأموت بسوريا، ولن أغادرها أبدا أبدا.. ...... عمليات التجميل شيء يخصني ويحقّ لي التّصرف بما يناسبني تحملين في وجهك ملامح أجنبيّة.. لماذا لم يستثمر المخرجون العرب هذا الجانب؟ أسمع هذه الجملة كثيرا: "في وجهك ملامح أجنبية". ولكن، أنا سأجيبك عن سؤالك بسؤال آخر. أليس الأهمّ من ذلك أن يراني المخرجون كممثلة قبل كلّ شيء؟! أنا حتى اللحظة، أحصل على الأدوار المختلفة بصعوبة، ومن النّادر أن يراني المخرجون بأدوار سلبيّة، والوحيدان اللذان استطاعا، وكانت لهما الجرأة لرؤيتي كممثلة حقيقيّة، هما زهير قنوع والمثنى صبح، مع حفظ الألقاب. أليس من حقي كممثّلة قبل كلّ شيء أن أؤدي جميع الأدوار؟! تُتهّمين دوما بأنّك أجريتِ عمليّات تجميل. هل يزعجكِ الموضوع؟ إذا كنت أجريت العمليّات هذه حقا، فلا يزعجني أبدا، فهذا شكلي وشيء يخصّني، ويحقّ لي التّصرف بما يناسبني، طالما أنني لا أزعج أو أؤذي أحدا. ولكن، ما يُزعجني إيمان الكثير بأنّني قمت بعمليّات أنا في الحقيقة لم أقم بها، وإصرارهم وجها لوجه على أنني قمت بتلك العمليّات. ببساطة، يُزعجني شعوري بأنّ أحدا ما اكتشف أنّني أكذب وأنا لا أكذب، وتحديدا في هذا الخصوص. بعد التمثيل والإخراج، دخلت عالم الغناء.. أين ترى نادين تحسين بك نفسها؟ أنا ممثلة أولا وأخيرا، لأنني خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، وهذا عملي وموهبتي، والإخراج كان تجربة رائعة، ولكن الغناء كان هواية، وقد تعلمتها من والدي حسام تحسين بك، لكونه كان يعمل في التلحين والموسيقى.. فدخولي عالم الغناء هو أمر مؤقت، وأنا لا أغني أبدا في اللقاءات والحفلات، ولكن بالمحصلة، أنا ممثلة، وأفتخر بذلك، وسيبقى عشقي الأبدي. علمنا أنك تحضرين لتسجيل أغنية من كتابتك وألحان والدك... حدثينا عن فكرة الأغنية.. هي أغنية وطنية لبلدي سوريا، تتحدث عن السوريين بعد ثماني سنوات عجاف، مرت عليهم. وقد أتتني فكرة الأغنية عندما كنت خارج سوريا، وعندها كتبت كلمات الأغنية، وعند عودتي إلى سوريا قام والدي بتلحينها، وهي الأولى لي، لذلك، قررت أن أسجلها وأصورها بإنتاجي الخاص، لأنها تتحدث عن سوريا أولا، ولأنها من ألحان والدي. ما تعانيه السينما بسوريا هو نفس المعاناة بالجزائر لننتقل إلى الجائزة التي تحصلت عليها في مهرجانات للسينما، في عدة دول عربية، وهو فيلمك القصير السينمائي "غرفة افتراضية"، الذي قمت بإخراجه، ما فكرة هذا الفيلم؟ الفيلم القصير "غرفة افتراضية"، هو فيلم اجتماعي واقعي، لا يعتمد على الفانتازيا الاجتماعية، وقد استوحى فكرته صديق لي، وهو صحفي، من قصص حقيقية وواقيعية، ولكن الكاتب أضاف عليه نفحة رومانسية خفيفة. وفي الحقيقة، كنت متحمسة للعمل، لأنه فكرة سينمائية جديدة، كما أنني سعدت بالكادر الفني، الذي كان برفقتي في العمل السينمائي، من فنيين وفنانين، ولم نكن نتوقع حصوله على هذه الجوائز في عدة مهرجانات عربية، وحتى خارج الوطن العربي. وفي الحقيقة، هذه الجوائز هي خطوة للمزيد من العمل الجاد والحقيقي، لكي نقدم أعمالا مهمة، تليق بالجمهور العربي، إن كان على الصعيد الدرامي أو السينمائي. هي التجربة الإخراجية السينمائية الأولى لنادين تحسين بيك... فهل ستتكرر؟ بالطبع، ما جرى بفيلمي السابق دفعني أكثر إلى أن أخوض هذا الغمار، ولكل بقوة هذه المرة، حيث في البداية كنت مترددة جدا في إخراج الفيلم، لكوني لم أقم بمثل هذا العمل سابقا، وقد قمت باستشارة والدي، وقد شجعني على ذلك، والآن، أحضر لفيلمين سينمائيين، أحدهما قصير والآخر طويل. هل من الممكن أن نعتبر هذه التجارب السينمائية الشابة تمهيدا لسينما سوريّة مقبلة، بعد سنوات من الجفاف السّينمائي السّوري، كما قلت سابقا؟ أولا، ما تعانيه السينما بسوريا هو نفس المعاناة بالجزائر. ولهذا، يجب أن نعمل على التوحد، والشّباب السّوري والجزائري والعربي ككل شباب واعٍ ومثقّف، وطموحه أكبر بكثير من أن يتوقّف عند حدّ معيّن. كما أحب توضيح أن العمل الجديد سيحمل ملامح جزائرية وبصمات جزائرية. من ناحية الإخراج إم التمثيل؟ فيه من التمثيل وفيه من الإنتاج. مثلا؟ على حسب علمي، إن إدارة الإنتاج اتصلت بالعديد من الوجوه الجزائرية. ولا تجبرني على ذكر الأسماء، لأن العقود لم تمض بعد. ماذا عن جديد الدراما؟ نادين: على أبواب بداية تصوير بطولة مسلسل "عهد الدم"، من تأليف إياد أبو الشامات، وإنتاج شركة "إيجل فيلمز"، للمنتج جمال سنّان. والعمل، هو دراما بوليسية تشويقية، تقوم حول الأسباب التي تدفع أبا لأسرة عادية إلى التحوّل إلى مجرم، والتحوّلات التي تصيب حياته، التي ربما تدفعه إلى ذلك العمل، الذي سيبدأ تصويره قريبا. وسيتم عرضه على عدد من القنوات التلفزيونية، بالإضافة إلى منصات عبر الإنترنت، حيث إنه يمتد لعشر حلقات فقط، لكونه مأخوذا عن مسلسل أجنبي، يمتد لنفس العدد من الحلقات. ومن المقرر أن ألعب في العمل شخصية "مايا"، وهي زوجة "سليم" (باسل خياط)، التي يتعرض زوجها لحادث يقلب حياتهما. كلمة في نهاية اللقاء.. أريد أن أوجه تحية إلى الشعب الجزائري، وأقول له إنني فخورة به كسورية وعربية، وأملي أن يعم الأمن في كل العالم العربي.. وتحية لمجلة الشروق العربي، التي أفسحت لي المجال للتواصل مع شعب الجزائر، وأتمنى لكم كل التوفيق.