عاشت المرأة الجزائرية الثورة المجيدة بكل جوارحها.. عانت وكابدت الويلات، كانت المجاهدة والفدائية والممرضة والطاهية، ولكنها قبل كل هذا، كانت الأم والأخت والزوجة، التي يلهج لسانها بذكر الثورة والثوار، عبر شعر كانت ترتله، وهي تحصد وتزرع وتطبخ، تلهب به الهمم وتضرم به نيران الانتقام من فرنسا... الشروق العربي، تبحث في الذاكرة عن شاعرات ولدن من رحم العذاب، وبقيت أشعارهن إلى الأبد. استعانت المرأة بأبسط أنواع الشعر، وهو "الڤول"، أو الأرجوزة، وهي مرحلة ابتدائية من مراحل الشعر، ويمكن وصفها بالأغنية التي لا مؤلف ولا ملحن لها... وتناقلت المرأة الجزائرية هذا الفن منذ القدم، ورافقها في كل دورة من أدوار حياتها، بفرحتها وحزنها، بأحلامها وخيباتها، وكيّفته عند اندلاع الثورة، ليصبح سلاحا فتاكا، يشحذ الهمم ويلهب الحماسة. أناشيد العذارى كانت المرأة لا تهاب أحدا، وكانت تهجو كل من تسول له نفسه التطاول على الجزائر، حتى الجنرال ديغول لم يسلم من لسانها، فكانت تسخر منه ومن سياسته بطريقتها، كان الشعب الجزائري كله يتكلم على لسان المرأة، حين ترفض التصويت على مخططات الجنرال بقولها: (جَرّوني عْلَى السّدّرْ والقندول ما نفوطيش مْعَ ديغول)، وهي تدعوه إلى ترك الجزائر لأهلها والاهتمام ببلده، وتبين فشل سياسته مسبقا عن طريق الاستهزاء به: (ديغول ماهوش نتاع الهمة- نيفه طويل مليح للشمة)، أي إن سياسته ستؤول إلى الفشل لا محالة. كانت المرأة مثال الصمود والمقاومة، وهي من قال فيها شاعرنا العظيم، مفدي زكريا: وجلجل صوت نشيد اللواء فتعنو الرؤوس له خاشعة وبِنْت الجزائر تتلو نشيد العَذارَى، فتصغي الدنا راكعة كانت المرأة لا تتوانى في طلب الشهادة، والجهاد في سبيل الله، وتحرير الجزائر من الاستعمار الغاشم، فتنشد : آ الطالع للجبَل اعْلمْني خويا عْلاه تدَسْها مَنِّي هاتْ لِي كابوسْ بَاشْ نجَاهَدْ ونمْشي مْعَكم يا الزعَمَا يا الوَاغَشْ دِيرُونِي فرْمْلِيَّة و بَاهْ نْدَاوي المُجاهدين. ودوّنت النسوة مرارة الفراق عن الأحباب من ويلات الحرب، وتنشد قصة خيرة، أو خويرة، التي افتقدت ابنها حمو بعد انخراطه في الثورة : خوَيْرَة تبْكي تشيَّبْ الأعْراش حّمو الجُندي ما يْرَاقَبْهَاشْ ما نمْشطْ ما نْديرْ الحَنَّة وغِيرْ إلى جانِي وَلدْ امَّ يوم حلقت طائرة صفراء "الطيارة الصفرا" هي مرثية شعرية، تروي مأساة وآلام أخت على فراق أخيها الشهيد، إبراهيم عبايدية، الذي قصفته فرنسا ومن معه من المجاهدين في الجبال بواسطة طائرة صفراء... هذه الملحمة من كلمات الشاعرة عائشة عبايدية، القاطنة بقرية أولاد سيدي منصور في جبال مسيلة.. تقول عائشة المكلومة: الطيارة الصفرا حبسي ما تضربيش عندي راس أخي والميمة ماتظنيش يا فارح للدنيا ويلا طالت بيه الضيف اللي جانا يكركر فالبرنوس هو سي عميروش وانا ماعرفتوش الله الله ربي رحيم الشهداء خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه مشيت الواد الواد ولقيتو متخبي قاللي اعقبي مانيشي حركي الله الله ربي رحيم الشهداء خويا فارح للدنيا ويلا طالت بيه وسي يالميمة اسي ماتبكيش وليدك مجاهد رايح مايوليش شاعرة وادي سوف... عائشة الثائرة من الشاعرات اللواتي أمضين حياتهن خدمة للوطن، شاعرة وادي سوف، فاطمة منصوري، التي كانت أشعارها الشعبية بمثابة سويف في رقاب جنرالات فرنسا... فاطمة، هي قصة امرأة تحدت المستعمر الفرنسي بكلامها، وشعرها، الذي مازال الكثير من الناس يحفظونه. هذه المرأة التي لم ينصفها التاريخ، ولم يعطها الرجال حقها... عالم هذه الشاعرة يستند على التراث الشفوي لمنطقة الوادي، لم تحبس شعرها خدمة للأغراض الكلاسيكية للشعر الشعبي، بل شقت طريقا خاصا بها ينتمي إلى الشعر الثوري الملتزم... تقول الشاعرة مطالبة بالحرية: كونش لاربحنا الحرية عنها نسكن في الجبال ندوها بالفنطازية وتقول افتخارا بالمجاهد حمه لخضر، ابن المنطقة: شيعتكم بالعين ياما ابهاكم أصحاب النبي ماذا الله رضاكم مشوا بالذمة، وركبوا لملاح اللى فيها حمه وحمه وتشن الشاعرة حربا ضروسا على الحركى والعملاء فتنعتهن بأفظع النعوت: لقريفه اعمومي… للمستخدم تحت الرومي بمكحلة تومي… ويفجّع في المخلوقات لوكانه مسلم... ما يْبَدِّل دينه هيهات