عبد الناصر يشهد التاريخ بما في ذلك الأدبي أن لا أنف أطول من الأنف الفرنسي، إلى درجة أن الشاعر الفرنسي الشهير "سيرانودي برجراك" ذاع صيت أنفه الطويل الذي شوّه وجهه أكثر من شعره العاطفي وبطولاته في المبارزة... ألف فرنسي مغروس في لبنان والمغرب العربي وأدغال إفريقيا وجنوب شرق آسيا.. أنف يتدخل باستمرار في شؤون مستعمراته القديمة ويحاول تحريك طناجرها بتوابله الخاصة.. أكيد أن زيارة نيكولا ساركوزي إلى الجزائر وتونس لم تكن أبدا تدخلا في شؤون هذين البلدين، ولكن المصيبة أنها تدخل في شؤون تركيا التي ناضلت منذ كمال أتاتورك لأن تتحول إلى كيان أوربي ووجدت الدعم وأحيانا اللامبالاة من مختلف دول أوربا إلا من فرنسا التي تريد لأوربا رائحة غير شرقية وراية غير هلالية حتى لا يذوب التاريخ الأوربي الاستعماري الذي لا يعترف بجرائم الفرنسيين في الجزائر والطليان في ليبيا والإسبان في المغرب. والغريب أن نيكولا ساركوزي بدأ حملته الدعائية للاتحاد المتوسطي الجديد من جنوب الضفة وليس من شمالها، لأن الهدف هو موافقة أصدقاء تركيا المسلمين على ظهور هذا الاتحاد وتحولهم جميعا إلى "سدود" تمنع تدفق المهاجرين الأفارقة إلى أوربا، أي أشبه بجدار يحمي أوربا، وبذلك يصبح أمام تركيا بديل "على مقاسها الشرقي" تجتمع فيه مع العظيمة فرنسا وأيضا مع أهل افريقيا، أما أن تجتمع تركيا المسلمة مع كبار أوربا فقط فذاك ما يبدو أن السيد ساركوزي سيحرق كل عهدته الرئاسية لمنعه بكل الطرق، وأهمها اتحاد متوسطي تختلف بالتأكيد بنوده عن الاتحاد الأوربي، لأن الاتحاد الأوربي لا يعترف بالتأشيرات ما بين دوله العظمى، وهذا ما ترفضه فرنسا في الاتحاد المتوسطي مع الجنوبيين ودول آسيا العربية، كما أن ألمانيا اعتذرت لفرنسا عما اقترفته في حقها في الحرب العالمية الثانية بينما تأكد رفض مجرد التفكير في الاعتذار من الجانب الفرنسي للجانب الجزائري... أما المشكلة الكبرى التي يطرحها هذا الاتحاد المتوسطي فهي توسعه المنطقي ليشمل "إسرائيل" التي تطل على البحر المتوسط... والنتيجة أن انغماس الأنف الفرنسي هذه المرة له هدفان، أولهما عزل تركيا عن أوربا وثانيهما ضم اسرائيل إلى تحالف متوسطي مسيحي مسلم.. ألم نقل لكم "الأنف" الفرنسي أطول من كل الأنوف..