تقول المخرجة الشابة هالة لطفي إنها سعيدة جدا بجائزة الوهر الذهبي، والتي حصلت عليها بمهرجان وهران للفيلم العربي في دورته الأخيرة، خصوصا أن فيلمها المتوج "الخروج للنهار" طاف بثلاثة مهرجانات فقط، ولم يعرض بعد في بلدها مصر، وهي تعتقد أن السينما المستقلة التي تعبر عنها، نضال وفلسفة تحد للرداءة والفساد السائد.. الشروق: الآن وبعد حصولك على تتويج آخر عن فيلمك "الخروج للنهار" من مهرجان وهران للفيلم العربي، هل يمكن القول إنك مطمئنة عن حال السينما المستقلة؟ هالة لطفي: السينما المستقلة لن يكون لها مستقبل، إلا إذا كان هنالك 10 أفلام منتجة سنويا في مصر، وبقية الدول العربية، لهم نفس التعبير، لأن السينما المستقلة لا علاقة لها فقط بالكلفة المادية القليلة مثلما يشاع، ولكنها أساسا ضدّ نظام النجم، بمعنى أن يحصل أحد الممثلين على أجر يقارب ال 70 إلى 80 بالمائة من ميزانية الفيلم، وهي أيضا تناقش القضايا الأساسية للأمة، والتي تم إهدارها مع التوجه لإنتاج أفلام حركة ورعب، كما أن السينما المستقلة لا تهدف إلى تحقيق الربح، حيث نعمل على إتاحة فرصة المشاهدة لكل الجمهور بالحد الأدنى للتذكرة، أو مجانا، وهو ما نسعى إليه حاليا من خلال إنشاء أماكن خاصة للعرض لأننا لو نجحنا في بناء جسر تواصل مع الجمهور فإن هذا الأخير سيدافع عن تلك الأفلام التي تعبّر عنه لاحقا. وهنالك محاولات حثيثة من أجل إحباط مشروع التواصل هذا، بالقول إن السينما المستقلة، هي سينما مهرجانات، وليست تجارية ولا تنجح مع الجمهور.. . مَن تلك الجهات التي تمنعكم؟ النقاد مثلا؟ النقاد حلقة من هؤلاء، لكن أتحدث بالخصوص عن فئة المنتجين التي تحرك السوق بالكامل، وتتحكم في صالات العرض، حيث غالبا ما يتم حذف فيلم مستقل بحجة أن الجمهور لم يحبّه، دون منحه فرصة كبيرة أو دعاية يستحقها، فالمنتجون بهذا التصرف يمثلون الوجه الثاني للسياسة الاستبدادية في البلاد، والتي لا تحب الاختلاف وتصفه بوجع الرأس والصداع، والمطلوب هو خلق ثورة في السينما المصرية من خلال ضمان تعدد الأصوات. . هل يمكن رصد أهم التطورات التي وقعت في السينما المستقلة خلال الفترة الماضية؟ شخصيا، أنا وجيلي، اختلف تعاملنا مع السينما شكلا خلال المدة الأخيرة بسبب الوضعية الصعبة في مصر، حيث لا تعبّر كمية الإنتاج المهول بالضرورة عن صحة السينما هناك، فالمخرج الفرد لا يمكنه أن يصنع فيلما، بل المطلوب أن تكون جزء من كيان كبير، أو مؤسسة، أو دولة، لذلك اشتغلنا مع كل تلك الأشكال، فقدمنا أفلاما تسجيلية، وعملنا مع المركز القومي للسينما، ومع التلفزيون، أنا وكل جيلي..أي جربنا كل شيء، ولذلك، فكرنا في إنشاء نقابة مستقلة لعمال الصناعة السينمائية، وهي نقابة دون منتجين، لأن أسطورة المنتج الممول يجب أن تنتهي في صناعة الأفلام، مع إعادة هذه الأخيرة لصُناعها الحقيقيين. . هل تؤمنين بوجود سينما نظيفة ومستقلة في الآن ذاته؟ هذا مفهوم مضلل، فكثير من الأفلام التي يتم تقديمها عبر السوق، وتسمى نظيفة، ليست كذلك، وبدلا منها، يجب صناعة أفلام تقترب أخلاقيا من المجتمع، أو تلامس قضاياه، فمثلا لو كان هنالك فيلم يتحدث عن الفقراء، ويرينا مشاهد ضعفهم وهوانهم، سيكون ذلك أكثر خلاعة ومدعاة للخجل من مشاهد القُبل والأحضان التي يركز على نقدها البعض، بمعنى آخر، لا يهم أن تصوّر الكاميرا مشهد قبلة بين عاشق وحبيبته في الشارع، لكن الأهم، تصوير طفل ينام في الشارع ولا يجد مأوى ولا غذاء، فهذا ما يجب التركيز عليه...أما الحديث عن الخلاعة والعري، فيراد به إقحامنا في حوارات مزيفة ومعارك وهمية لا طائل منها ولا فائدة ترتجى من ورائها. بل الهدف منها تسطيح وعي الجمهور ليس إلا. . هل تعادي السينما المستقلة النجوم؟ لا أبدا، ولكنها فلسفة نريد من ورائها الحفاظ على مكانة المخرج، فتصوّر لو أن النجم الأول للعمل أخذ عشرة أضعاف من المخرج، فهذا الأخير سيفقد سلطته بالضرورة. ونتيجة لذلك، بتنا نشاهد هذه الأفلام التافهة في مصر حاليا، والقائمة على راقصة وممثل كوميدي يقدم مجموعة من النكت يجمعها من هنا وهناك، فتحقق نجاحا جماهيريا كبيرا، ولو اعترض مخرج عليها في نصف العمل، يتم استبداله بسهولة، والمجيء بغيره لإتمام هذا الهراء، لأن المخرج فعلا بلا رؤية، بل هي عبارة عن سكاتشات يتم جمعها، لا قيمة لها، وهذا ظلم كبير، لأن السينما ليست تجارة وفقط، ولكنها فن وقيمة، فالأفلام العظيمة تعيش في ضمير الأمة للأبد، على غرار فيلم "وقائع سنين الجمر" للخضر حامينا، بفعل ما أنشأه من علاقة اعتزاز وفخر لدى الجزائريين جميعا. . يقال أيضا بأن السينما المستقلة تشتغل على الثالوث المثير للإزعاج "الدين والجنس والسياسة"، حيث غالبا ما تدخل في معارك مع الرقابة؟ الرقابة هدفها دوما الحد من الخيال، وهي تعمل على منع مناقشة الأسئلة الحقيقية للمجتمع، ذلك أنه لو عالجت موضوعا يتطرق لمشاكل الناس في فيلمك سيقال عنه سياسي، مثل عملي "الخروج للنهار"، والذي يتطرق لناس يعيشون على هامش الهامش، لا أمل ولا طريق في حياتهم، وهذا ليس وضع المصريين فقط بل في كل العالم العربي. . هل تفكرين في إنتاج فيلم عن الثورة المصرية؟ لا أبدا، فيمكن أن تكون ثوريا في عملك دون الحاجة للإتيان بمواطنين يسيرون أو يحتجون في ميدان التحرير ويهتفون يسقط النظام! لا حاجة لنا لمزيد من الخطب السياسية، فقد ملّ الناس منها ومن الكلام، فلو كنت تريد أن تكون ثوريا، غيّر أسلوبك، تحدى المجتمع، ففيلمي مثلا، لا موسيقى فيه ولا حوارات كثيرة، لأننا كرهنا تلك الحوارات المكررة، كما أننا نغرق المشاهدين في موسيقى صاخبة، وأداء تمثيلي مبالغ فيه. وبخصوص الثورة، فنحن جميعا في السينما المستقلة، نزلنا للشارع يوم 25 يناير، وقمنا بتصوير الانتهاكات في مشاهد نادرة لا تتوفر عند الجميع، وقمنا بوضعها على مواقع الأنترنت دون الحاجة لاستعمالها في أفلام سينمائية، لأننا لا نبحث عن انتصار فردي وإنما عن نصرة القضية. واعتقادي أن السينما المستقلة لا تهدف للخروج بفيلم فردي من الثورة، وإلا ستكون قد فشلت في تحقيق أهدافها الرئيسية، بل إن توصيل السينما أو التنمية الثقافية عموما للأطفال في المناطق النائية، هو انتصار للثورة.. . ماذا قمتم بهذا الخصوص؟ لقد أنشأنا ورش عمل اسمها "حصّالة" تجوّل عبر القرى النائية، للحديث مع الأطفال المحرومين من كل تنمية ثقافية، حيث نعطي لهم كاميرات ونعلمهم كيفية التعبير عن أنفسهم، لأن الطفل صاحب العشر سنوات، والذي يحمل كاميرا لتصوير جاره، لا يمكن أن يحمل في كبره، سلاحا لقتله! وهذه هي كل الحكاية، فالنظام السياسي في مصر والعالم العربي عموما، لم يكن حريصا فقط على تعليم الناس تعليما سيئا، ولا منحهم علاجا ناقصا، لكنه عمل أيضا على أن ترويج أفلام دون المستوى، بغرض الإذلال النفسي، وكسر الروح المعنوية. . عن ماذا تبحث هالة لطفي من خلال فيلمها "الخروج للنهار"؟ أبحث عن إحداث القطيعة مع السينما التقليدية التي تستغفل عقول الناس، وهنا أريد التوضيح أن فيلمي ليس كئيبا، ولكنه متفائل على طريقته، في الثمانينيات، قدمت السينما المصرية نوعية من الأفلام الجيدة والجميلة ضمن السينما الواقعية، مع محمد خان، خيري بشارة، داوود عبد السيد، عاطف الطيب، وكانت جميلة جدا، ولكنها اشتغلت ضمن نظام النجم، وقدمت نبرة تفاؤل بأن الغد القادم أفضل، لكن المنتجين قرروا عدم العمل مع أصحاب تلك الأفلام مجددا، فأفضل المخرجين في مصر عندنا عاطلون عن العمل، لأنهم لا يخضعون لناموس المنتجين الباحثين عن إغراق السينما بأفلام وضيعة مثل أفلام محمد السبكي.. . ما حال السينما حاليا بعد التغيير السياسي وسقوط النظام؟ لم يتغير شيء لأن النظام لم يسقط كليا، بل سقط رأسه فقط، مع استمرار نفس الطعمة الفاسدة في الحكم، ولكن هذه المرة، ملتحون، حيث استعانت أمريكا بالإخوان في السلطة، ووافقت على مجيئهم لأنهم الفصيل السياسي الوحيد الذي ينفذ شروطها في الوقت الراهن. . لكن ألا ترين أنه - بالصدفة ربما- يتوافق رأيك في وقف الابتذال في الأفلام الشعبية والتجارية مع طرح الإخوان لتطهير السينما والفن عموما؟ لا أبدا، فالإخوان هم أكثر المصريين حبّا للرقص الشرقي، ومرجعيتهم البصرية هي عادل إمام، بل إنهم في جلسات خاصة يكررون لوازمه الكوميدية فيما بينهم ويضحكون عليها؟! كما أن المرشد العام السابق للإخوان زوّج ابنه مع بنت عادل إمام نفسه..وبالتالي، فإنهم يضحكون على الشعب المسكين بشعارات كاذبة، ولكن المعجزة التي وقعت في مصر حاليا، هي بداية اكتشاف الناس لحقيقة الإخوان، خصوصا بعد خصوماتهم المتعددة، وأيضا الاغتيالات السياسية التي قاموا بها أمام قصر الرئيس محمد مرسي. . ماذا لو شاهد الإخوان فيلمك المتوّج في وهران؟ الأكيد أنهم لن يكونوا سعداء، فهم ضد خلخلة السائد والمسلّمات، يعبدون السلطة، وقد استخدمهم مبارك 30 عاما لملاعبة أمريكا، كما مارسوا السياسة من خلال تواجدهم في برلمان النظام السابق. والتحقوا بالثورة بعد فوات الأوان.. . كيف خططت لإهداء تتويجك في وهران للثورة السورية؟ تعهدت منذ البداية أنا ومجموعة من الأصدقاء، أنه إن فاز أي طرف منا وصعد للمنصة، فسيمنح التتويج للثورة السورية الشريفة، وذلك بعد خلافي مع أحدهم حول حق السوريين في الحصول على كرامتهم وحريتهم المسلوبة في ظل القصف، علما أنني أهديت الجائزة أيضا للرجال الذين يواجهون "الظلاميين" وتحديدا في أحداث الإسكندرية.. . ما جديدك بعد جائزة الوهر الذهبي في مهرجان وهران؟ أحضر لفيلم طويل، من نفس نوعية "الخروج للنهار" علما أن شركتنا الصغيرة تشتغل حاليا لإنجاز 8 أفلام، ونبحث عن إنشاء شبكة لتوزيع هذه الأعمال في كل العالم العربي حتى نتخلص نهائيا من الأفلام التجارية، وأيضا الأمريكية.