كلما مضى الوقت، كلما تأكدنا أن المقاربة الجزائرية في حلحلة الوضع الليبي هي الأنسب والأضمن لسلام مستقر، معمر ودائم. التدافع الأخير على الأرض الليبية ما بين أطماع الجيران والغرباء، حول الأرض الليبية إلى أرض معركة بالوكالة على مشاريع نفوذ جنوب المتوسط وشرقه. ليبيا التاريخية، منذ التقسيم الإغريقي الروماني لها، لا تزال هي هكذا على الأرجح، فيما خلا تغيرات عمرانية سكانية، دون أن تصل إلى حد التغيير البنيوي للطبيعة القبلية للساكنة. الرومان كانوا قد قسموا "لوبيا" (التي تعني "البيضاء"، وهم يقصدون إفريقيا، أي الجزء الشمالي لإفريقيا التي يسكنها البيض، قياسا ببداية الجزء الجنوبي منها، الذي يسمونه أو.."أثيوبيا" التي تعني "السود"). ليبيا، كانت تقسم رومانيا، غلى ثلاثة أجزاء: الشرق الليبي، الممتد من خليج سرت إلى الحدود مع مصر، وكانت تسمى رومانيا la cyrinaique، بعد أن استوطنت قديما من طرف عائلات سورية آشورية الأصل (على اعتبار أن "أسوريا" مشتقة من "أشوريا"). أما المنطقة الثانية فكانت المنطقة التي تبتدئ من خليج سرت إلى الحدود الغربية مع تونس فكانت تسمى la tripolitaine، أي منطقة طرابلس، ويبدو أنها أطلقت على منطقة، انحدر سكانها أصلا من طرابلس اللبنانية، وهذا خلال الحقبة الفينيقية، علما أن مدينة سرت مثل سرتا (قسنطينة)، كلمة فينيقية تعني "قرية" أي "مدينة "cité وكانت تقرأ فينيقياkiriata . أما الجزء الثالث، فهو الجنوب الصحراوي وكان يسمىla Fanzanie ، أي صحراء الفزان. هذه المناطق الثلاث، والتي كنت قد فصلت في ذكرها ضمن كتابي الصادر مؤخرا في مصر: "تشكل الهوية المغاربية"، لا تزال إلى اليوم تقريبا تحمل نفس الميزة السكانية القبلية، وهذا ما جعل مصر مؤخرا عبر "إعلان القاهرة" تعمل على ترسيخه بالالتفاف على منجزات "الصخيرات". المقاربة الجزائرية، لا تخرج عن هذه الدائرة، بل تعمل بها من أجل إشراك كل القوى السياسية والقوى القبلية في الشرق وفي الجنوب وفي الغرب، حول طاولة تفاهمات من أجل هدف واحد: بناء دولة ليبية واحدة موحدة، تضم كل مكونات الشعب الليبي في كل المناطق وبشكل ديمقراطي عبر انتخابات شفافة ونزيهة لا عبر الحراب والسلاح. بناء "دولة جديدة"، مع العلم أن الراحل القذافي لم يبن دولة، بل بنى سلطة، والدليل أننا بعد انهيار سلطته، لم نجد أية مؤسسة قائمة، بما في ذلك مؤسسة الجيش التي همشت لصالح ميليشيات "اللجان الشعبية". ليبيا الدولة الحديثة، لا يمكن أن تبنى عبر التدخل الخارجي، ولا عبر التكتلات المصلحية والتفاهمات خارج حدود ليبيا، إلا برضى جميع الأطراف وتقاسم العمل السياسي بحكمة ونسيان خلافات الماضي وكف الدول الداعمة في الخارج عن تأجيج الحراب الداخلي لصالح أجنداتها في داخل العمق الليبي. مصر، وتونس والجزائر، هي الدول الأكثر نفعا والأكثر ضرا بالنسبة لليبيين، وعلى هذا الدول الثلاث أن تدخل بسرعة وفي سباق مع الزمن لرأب الصدع في أسرع وقت. والجزائر، هي الدولة الوحيدة ما بين الثلاث التي تملك قوة الإدارة لقوة الإرادة. من جهة أخرى، على كل من تركيا وروسيا وإيطاليا، أن تعمل على حل خلافات الخارج في الداخل الليبي، بأن تتقارب هذه الدول فيما بينها وتتحاور مع الدولة الليبية ممثلة إلى حد الآن في السلطة الشرعية، وأخص بالذكر مصر وتركيا. بهذا الحوار يمكن حل الخلافات الخارجية وفي الداخل، ومنع تدفق السلاح وعسكرة البلد وتحويله إلى ساحة حرب لا تبقي ولا تذر.