جاء في أحد الأمثال القديمة: "علة البدن سوء الهضم، وعلّة العقل سوء الفهم"، ويبدو أن الرئيس الفرنسي لا يعاني من سوء الهضم، ولكن "سوء الفهم" عنده مستفحل، ونخشى أن يكون مصابا بداء "غير القابلية للفهم"، لأن من لم يفهم الإسلام لا يمكن أن يعدّ في البشر الذين لهم عقول سليمة.. ولو كان ماكرون قابلا للفهم لما قال هذا الذي أثار في وجهه من ردود كثيرة. قلنا مرارا وتكرارا فليقل عنا الغربيون ماشاءوا وليسلقونا بألسنتهم الحداد، فأكثرنا- نحن المسلمين نفعل ما يخجل منه الناس العقلاء، وما انتساب أكثرنا إلى الإسلام إلا انتساب بالرسم والاسم، وأما الإسلام الصحيح فأكثرنا بعيدون عنه بعد السماء السابعة عن الأرض السابعة، وهو بعد لا يحيط بعلمه إلا من أحاط بكل شيء علما، سبحانه وتعالى، ولكن أن يتقول عن الإسلام شخص مريض نفسيا، عليل فكريا، غير ناضج عقليا فهذا ما لا نسكت عنه، ونجادل عنه بالبراهين القاطعة، والأدلة الساطعة، والحجج البالغة، والآيات الدامغة.. ومن الجدال بالتي هي أحسن لمن كان له قابلية الفهم هو عنوان هذه الكلمة، وهو ليس من عندي، ولكنه من بنات أفكار رجل غربي، مسيحي العقيدة، ولكنه مايزال على مشكلة من عقل يزن به ما يسمعه وما يراه، إنه عالم الدين النصراني هانس كونج، المولود في سويسرا من سنة 1928، وأظنه ما يزال على قيد الحياة. هو خريج جامعة جريجوريان التابعة للفاتيكان في روما، وقد عين كاهنا في سنة 1954، وقد درس في عدة جامعات منها "السوربون" وهو حائز على الدكتوراه في اللاهوت الكاتوليكي، وكان زميلا في التدريس لمن أصبح "بابا" تحت اسم بينديكت 16″ ثم استقال. وقد عمل هانس كونج في الفاتيكان حتى 1965، ليقود انشقاقا في الكنيسة الكاثوليكية برفضه لما يسمى "المعصومية الباباوية"، ومذّاك وهو في حرب مع الكنيسة، منتقدا مبدأ "عصمة البابا" التي يعتبرها ابتكارا بشريا لا أصل له في النصرانية. أسس منذ تقاعده في سنة 1996 ما سماه "الأخلاق العالمية"، لنشر ما أمكن الاتفاق عليه من القوانين السلوكية – له عدة مؤلفات منها "بنية الكنيسة"، و"معصوما من الخطإ؟"، و"إصلاح الكنيسة اليوم" "النساء في المسيحية" و"بداية الأشياء: العلم والدين" وغيرها كهذا الكتاب الذي عنوانه: "الإسلام رمز الأمل" الذي عرّبته رانيا خلاف، وهو مؤلف من أربع محاضرات إحداهن تحمل عنوان الكتاب. إن خلاصة الخلاصة هي قوله: "إن الإسلام لديه مصادره التي يمكن بها أن يسهم، ليس فقط في التغلب على المصاعب والقضايا المركزية في الحياة، ولكن أيضا في حل المشكلات الكبرى للعالم". (ص 71). وأسوق هذه لرئيس فرنسا: الذي يحاول أن يلصق فضل الحضارة الغربية في الإسلام، بالرغم من أبناء وطنه من شهد بعلم "أن الغرب هو أكبر مجرم في التاريخ"، كما ذكر روجي قارودي في كتابه "وعود الإسلام" (ص 22)، و"إن لدينا – الغرب – أسبابا جدية للتفكير بأن مشاكل العالم لا تحل طالما أننا ننظر إليها من زاوية أوربية محضة"، (المرجع نفسه ص 142)، ولو كان ماكرون على مسكة من عقل لذهب إلى ما ذهب إليه الأديب والمفكر برناردشو بأنه لو قدّر لمحمد – عليه الصلاة والسلام- أن يقوم العالم لحل مشاكله وهو يحتسي فنجان قهوة- فلا تعلقوا- سيادة الرئيس- فشل حضارتكم على الإسلام- وهداك الله إلى الطيب من القول، والصحيح من الدين، والحسن من الخلق، ولا وجود لكل ذلك إلا في "الإسلام".