يعشق المسرح، ويحاول أن يطبّق نظرياته في كلّ أعماله الفنيّة، حتى في الدراما التلفزيونيّة. له بصمة خاصّة وحضور مميز، في كلّ الأعمال التي شارك فيها. عمل في الإخراج والتدريب والتدريس والكتابة، إضافة إلى التمثيل. هو من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحيّة، في دمشق عام 1981، وحاصل على شهادة عليا في إعداد وتدريب الممثل المسرحي من كليّة «الروز بروفيلد» في بريطانيا، وحائز ماجستير في الإخراج المسرحي من جامعة «ليدز»… هو الفنان فايز قزق، الذي شارك في العديد من المسلسلات التلفزيونيّة، منها: «رجال الحسم»، «شهرزاد»، «بقعة ضوء»، «عمر الخيّام»، «رياح الخماسين»، «قاع المدينة»، «باب الحارة- الجزء4»، «العراب»… «عابرو الضباب»، «صدر الباز»، «الخان"، وغيرها من الأعمال الناجحة. كما قدم قزق العديد من الأعمال المسرحيّة المهمة، فأصبحت معظم مسرحيّاته نموذجا للتدريس في سورية وخارجها. وفي السينما السوريّة، تألق بأدوار كان أهمها (إسماعيل) في فيلم «رسائل شفهيّة»، و(الأخرس) في فيلم «ما يطلبه المستمعون»، وقدّم أخيرا شخصيّة «أبو الوليد الداعشي» في فيلم -فانية وتتبدد-، الذي نال به جائزة أحسن ممثل سوري بالسينما… الحديث عن عمله في التدريس شكّل بداية حوارنا معه. خرّجت أكثر من 13 دفعة من طلاب التمثيل عربيا ومحليا، حدثنا عن تجربتك الخاصة في التدريس؟ التدريب هو حالة تراكمية، وقد بدأته كمعيد في عام 1981 وبتّ أستاذا محترفا في عام 1988 في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق. وبعد التخصص في الخارج، عدت إلى البلد وواظبت من ثم على مهنة التدريس في المعهد العالي في دمشق، وفي المعهد العالي للفنون المسرحيّة في الكويت، وهي تجربة شيّقة، تجاوز عمرها 30 عاما، خاصّة على صعيد التعامل مع الجيل الجديد. هل لديك المقدرة على التواصل مع جيل جديد يختلف في مواصفاته عن الجيل الذي سبقه؟ في إمكاني مواكبة بعض التغيرات على مستوى التفكير في ما يتعلق بآمالهم وتطلعاتهم، فكنت دائما مع هؤلاء الشباب، وقريبا جدا من حياتهم، بكلّ ما فيها من مشاكل وهموم وآمال. وفي النهاية، أنا أتعامل مع مادة خام من المشاعر والأحاسيس يجب استخراجها من هذا الإنسان، لرؤية مدى جديّتها وحقيقتها ومقدرتها على عكس هموم شريحة كبيرة من الناس، وكان لدي تنوع في أساليب التدريب منذ عام 1988 فتنبّهت إلى فكرة أن أجمع عددا من المتدربين في شخص واحد. برأيك هل هناك فارق بين التمثيل والشهرة؟ طبعا، ودائما ما أسعى إلى تفهيم طلابي أنّ كلمة تمثيل تعني أن يمثل الطالب شخصا ما، على عكس المشهور الذي يبتعد عن البشر ويتوحد مع ذاته. بعد نجاحك الكبير بدور أمير داعشي في فيلم فانية وتتبدد.. لماذا كل هذا الابتعاد عن السينما؟ من المفترض أن يكون في رصيدي اليوم 35 فيلما على الأقل، ولكن الفرص السينمائيّة نادرة في بلدنا، ولو كانت متوافرة لرأينا الفيلم الوطني، أي الفيلم السوري الحقيقي. نعم هناك أفلام تُنتج وتستقطب جمهورا، ولكن ماذا بعد هذا الفيلم؟… الإنتاج القليل يُضعف التجربة ويؤثر في الحضور. بشهادة النقّاد، تفوقت في تجسيد دور أميرٍ داعشي في فيلم «فانية وتتبدد»، ما الهدف من تقديم مثل هذا الدور في رأيك؟ بالنسبة إلى الجمهور، يمثل الفيلم قضية مهمّة، إذ يتيح لهم التعرف أكثر على تفاصيل تلك الشخصيّات القذرة. والجمهور هنا ليس فقط المحلي، وإنما الغربي أيضا، بحيث يشقّ الفيلم طريقه نحو الغرب حيث عرض بأكبر القاعات السينمائية الأمريكية، وهم متشوقون إلى معرفة كيف نقدم «داعش» نحن الذين على تماسٍ مباشر معهم. في جانبٍ آخر، وللأسف، ستكون المأساة التي خلّفها «داعش» في منطقتنا كنزا مهمّا للسينما الهوليووديّة، وسنرى عبر عشرات السنين كيف ستسخر الأفلام الأميركية هذه المادّة لمصلحتها بعد استتباب الأمن في منطقتنا، ولذلك، يجدر بنا أن نكون سبّاقين في التوثيق الحقيقي لما يحصل، وألا نترك أحدا يشوّه الحقائق ويصدّرها على هواه. السعي إلى المثالية مطلوب دائما.. ولا يعنيني أبدا صخب القنوات الفضائيّة ذكرت أنك عملت في التلفزيون لسببين… كان عليّ الانتقال إلى التلفزيون لسببين، أولهما تجربة الظهور على الشاشة لأكون معروفا أكثر في الوطن العربي، ونفي التهمة الموجّهة بصورة غير مباشرة إلى كلمة «مثقف»، التي باتت صفة مكروهة في الواقع، فأردت أن يُشاع الوجه ويُعرف، وكنت أقدّم شيئا يلبي رغبات المشاهدين، وأنا أدرك جيدا أن مسرح الحمرا يستقطب 650 مشاهد فقط، بينما التلفزيون تتسمّر أمام شاشته الملايين. والسبب الثاني هو المال، فأنا أعمل في هذا المجال لجمع المال ودعم مشروعي في المسرح. «حسن الصبّاح» في مسلسل «عمر الخيّام» من أهمّ الأدوار التي قدّمتها، فهل منحت هذه الشخصيّة أبعادها الكاملة؟ لعب «حسن الصبّاح» دورا خطيرا في العالم الإسلامي، فهو أوّل من أطلق جماعة الاستشهاديين، وبنى عقيدته على أسس سليمة بعيدا عن الاتهامات الموجهة إليه بأنّه كان ينتمي إلى مجموعة الحشّاشين، أو يتزعّمهم، ولهذا الاتهام علاقة بالدماغ الاستشراقي الظلامي، الذي يهدف إلى «شيطنة» أيّ شخصيّة ناجحة في الشرق، ويحيطها بعلامات الاستفهام. ولو عدنا إلى تاريخ المنطقة، نجده حافلا بالفكر والفلسفة، انطلاقا من الفيلسوف «عمر الخيّام» الذي جادل الكون كلّه، وصولا إلى «حسن الصبّاح» ذي الفكر المستنير. إذا نحن أمام ظاهرة، بحيث برعت هذه الشخصية في التعمق في أمور الدين والشعر والفلك والقيادة والأعمال الروحانيّة… ولا يمكن الخلط بين هذه المسائل، وكان تحديا بالنسبة إليّ أن أقدّم 4 مراحل عمريّة، تتباين وتتطور من جهة التفكير والعقل والفلسفة والفعل والأمراض الجسديّة والمظهر الخارجي والحسّ العلمي الإشعاعي… وكلّ ذلك في قلعة صغيرة شُيّدت بين الجبال. هل ندمت على شخصيّة قدّمتها؟ ما من عمل قدمته إلا وقلت بعد فترة وجيزة كلمة «لو»… فليس هناك عمل كامل، والسعي الى المثالية مطلوب دائما. بالتأكيد، شكّل التلفزيون في ال 15 عاما الأخيرة من حياتي مجالا جديدا للعمل بالنسبة إليّ، بعدما انغمست كليّا في العمل المسرحي كمشروع خاصّ، داخل سورية وخارجها. هل تشتاق إلى مسرحك عندما تتوجّه إلى العمل في التلفزيون؟ أقدّم عملي وأمضي في مشروعي الأساسي، فالممثل الحقيقي قادر على أن يفعل شيئا مهمّا في السينما، والمسرح، إلى جانب التدريب الذي نجحت في فرض نفسي فيه بقوّة، سواء في المعهد أم أي مكان متاح للتدريس. كما لا يعنيني أبدا صخب القنوات الفضائيّة. كلمة فنان تعني الخروج إلى البشر.. والتعامل معهم بمختلف طبقاتهم الاجتماعية تحاول دائما نشر الوعي حول فكرة تشويه اللغة العربيّة… يفرض علينا التلفزيون مسايرة اللهجات ولعن اللغة العربيّة، وهذا يرهقني، فحتى الأطفال على المحطات التلفزيونيّة الخاصة بهم يكتبون بلهجاتهم التي يتحدّثون بها للأسف. وعلينا ألا نساهم في محو العربية من الذاكرة، خاصّة لأجيالنا القادمة. وقد تلاشت اللغة اللاتينية عندما سقطت الإمبراطورية الرومانيّة فتولّد الكثير من اللهجات ونُسفت هي. لا نريد اليوم للغتنا العربيّة أن تضيع كما ضاعت اللاتينيّة. فنحن أمام منعطفٍ خطر جدا، وهو اختفاء الإنسان العربي وظهوره بلسانٍ مرقّع عاجز عن تقديم فكرة. صرحت من قبل في أحد تصريحاتك الإعلامية بأن مفهوم الفنان في الوطن العربي يحتاج إلى مراجعة! فهل لك أن توضح لنا الفكرة؟ كل ما يعنيني اليوم في التدريب والتدريس، أن أبتعد عن الحلم بالشهرة والنجوميّة، اللتين تتعارضان مع الوجدان الإنساني، فالفنان في الوطن العربي هو الإنسان الذي جُرّد من إنسانيّته، بحيث لا يستطيع التحدّث مع أحد، أو الظهور في الأماكن العامة، وهذا مفهوم خاطئ، فكلمة فنان تعني الخروج إلى البشر، والتعامل معهم بمختلف طبقاتهم الاجتماعية. لماذا لا نراك مخرجا لمسلسل أو فيلم سينمائي؟ لأنّني متخصص في المسرح وتنشئة الممثل، ولا أمارس أي مهنة تتعارض مع ميولي. ماذا تقول لابنتك نور قزق؟ أنت نور عينيّ. وللمسرح… المسرح هو المكان الدافئ والآمن، الذي يحفزني على الاستمرار في البحث، وهو أساس علاقتي مع الطلاب والطالبات، فهم المادّة الخام، وأنا أتعلّم منهم أيضا. والمسرح دواء، ومكان للتربية، ومن الضروري إقامة مسرح في كلّ مدرسة. وهو أداة التوازن، وفنّ يهتم بكامل الجسد، ويتفرد ببصمة الممثل الداخلية. لو لم تكن ممثلا لكنت… في هذه المرحلة أختار مهنة الطبّ. الشارع العربي ينطح ويناضل لكي يعيش ويؤمن لأبنائه المستقبل تردد أخيرا أنّك هاجرت إلى السويد؟ هي شائعة، لكنني أزور مدنا وبلدانا كثيرة منها مالمو والدنمارك… وأقصد مسارح كثيرة أعرفها هناك، والسفر مهمٌّ بالنسبة إلي، ومنذ عام 1981 لم أتوقف عن السفر، فالمسرح يحتاج إلى بحث وجمع ومقارنة لتطوير مبادئ.. ما هي قراءتك الخاصة للواقع العربي الذي نعيشه خاصة والكل يعاني بصمت بسبب الأزمات السياسية التي أضافتها أزمة فيروس كورونا كوفيد 19؟ نحن شعوب «عم يلعبوا فينا بالطابة»… يجرون التسويات والصفقات ويبيعون ويشترون بمزاجهم، والشارع ينطح ويناضل لكي يعيش ويؤمن لأبنائه المستقبل وهو صعب. حرام، «نحنا حرام»… بعد أزيد من 30 سنة تمثيلا، ما سقف طموح فايز قزق؟ سأعلن عنه ضمن مشروعي الذي بدأت التحضير له أخيرا، الذي سيبصر النور قريبا.. سأعبّر عمّا في داخلي وأكون صادقا مع نفسي ومع المشاهد، وأظهر خلاصات وإشارات لطموحي وأحلامي. هل صحيح أنك لا تقبل التفاوض في أجرك وتعتبره خطا أحمر؟ بالنسبة إلى العمل في الدراما السورية، فإن الأزمة السياسية تفرض عليَّ أن أكون مرنا، ومن الممكن أن أتنازل عن نسبة من أجري، لكن في الأساس التنازل غير مطروح إلا إذا كان هناك دور استثنائي، لأنني كممثل أوازن بين الجانبين الفني والمادي، وإذا وجدت نفسي أمام عمل عادي لن أتنازل عن جزء من أجري، أما إذا كان العمل غير مسبوق وسيحقق نقلة كبيرة فمن الممكن التنازل عن جزء منه. كيف تنظر إلى مستقبل بلدك سورية؟ أجد أن الأمل موجود، ولا بديل عن العلم السوري الذي يرفرف في ساحة الأمويين.