في حادثة غريبة هزت إحدى مناطق الوطن، طلق العريس عروسه أمام الملأ لرفضها ركوب أمه وتاج رأسه في السيارة التي كانت تقلهما لعش الزوجية. وما بين رافض، مستنكر، ومؤيد تضاربت الآراء وتنوعت، فهل كان العريس على حق أم أنه تهور وظلم عروسه؟ قبل الغوص في التفاصيل وإبداء الرأي الذي يحتمل الصواب كما الخطأ، لا بأس أن أذكر نفسي وأخواتي أن هذا الأسد الذي اخترته واختارك لم يأت هكذا! فارس الأحلام الذي لطالما انتظرته لم ينُفخ فيه فيتحول في لمح البصر من طفل صغير إلى رجل كبير! لقد مر بمراحل عمرية وفترات صعبة، الوحيدة التي عاشتها معه بكل تفاصيلها السيئة والجميلة هي أمه. المرأة التي حملته تسعة أشهر كاملة وصبرت عليه وعلى ظروف الحياة القاسية لكي ينموا نموا طبيعيا جسميا ونفسيا، ودمعت عيناها وهي تراه ببدلة العرس عريسا جميلا أنيقا، ينتظر خروج فتاة أحلامه وشريكة عمره التي ستقاسمه الحياة بحلوها ومرها. لحظة تتمناها أي أم على هذه البسيطة، لكن بعد الزواج عادة ما تحزن الأمهات وتغار من كناتهن الجدد غيرة لا تطاق لأن هذه المرأة الجديدة في عالم ابنها أخذت مكانها وحنانها وحبها. وكم هي كثيرة حالات الطلاق التي تعج بها محاكمنا بسبب الغيرة المجنونة من الحماة، وفي الأخير تتعقل الكبيرة وتنسحب من ساحة المعركة لأجل ابنها وسعادته. أما الصغيرة أي الكنة فتعتبر تعقل الأم انتصارا كبيرا وبداية لكسر قلب العجوز الشمطاء في نظرها. ورغم السكن الفردي الذي أصبحت تحظى به معظم العرائس الا أن المعركة ما بين الحماة والكنة تبقى الى أبد الأبدين، لغيرة كل واحدة من الأخرى. ما نستخلصه أن ما قام به الشاب العريس هو عين العقل ورسالة واضحة لكل من تسول لها نفسها احتقار حماتها واعتبارها لا شيء. هي الأم التي أوصى بها رسولنا الكريم وذكرها ثلاث مرات قبل الأب، هي الحنان والعطف، أساس البت وتاجها. هي من حملت وتحملت وتتحمل من أجلنا نحن فلذات أكبادها، لذا لا تحاولن جس النبض وارضين بالقليل لكسب الكثير. وأنت يا سيدي الرجل نعرف عذابك بعد زواجك، فقلبك سيكون مقسوما بين امرأتين، الأولى ربت والثانية أحبت، وأي خطأ أو سوء تقدير منك سيؤدي إلى عواقب وخيمة. لهذا الحذر ثم الحذر وأمسك العصا من الوسط، لا إسراف ولا تبذير، فالزوجة هي البيت الثاني والسكينة أم الأولاد في المستقبل. والأم هي الماضي والحاضر، الحب والعطف والحنان، هي مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، هي لذة الحياة ومذاقها الحلو. والثانية هي الشريكة والعمود الثاني في البيت، فألف تحية مني إليك أيها الشاب الفحل الرجل، لأنك لقنت بنات جنسي درسا في الإحترام والتقدير. وصدقوني بعد هذه الحادثة لا أظن أن واحدة ستتجرأ وتفعل ما فعلته التي قبلها وإلا سيكون مصيرها الطلاق قبل الدخول، وحمل لقب ثقيل سيقلل من خطابها، ويعرضها للعنوسة المنتشرة إنتشارا رهيبا في مجتمعاتنا العربية بسبب البطالة والغلاء وإنعدام الأخلاق وزوالها. وحتى لا يقال عنا متعصبين، نقول لأمهاتنا رفقا ببنات اليوم، فالظروف تغيرت وكنة الأمس ليست كنة اليوم على كل المستويات. الدراسة والتكنولوجيا لعبت بعُقُولهن، وسرقت كل وقتهن، لكن هذا ليس مُبررا لعدم دُخول المطبخ، والمساهمة في شُغل البيت، وإحترام الآخر. فالعلم وسيلة لتعلم التربية والأخلاق، ف "بنت الفاميليا" هي التي تعرف قدرها وتحترم حماتها، وتعرف أن لكُل مقام مقال، ولكل حدث حديث.