بعودة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الجمعة، سالما معافى إلى أرض الوطن من رحلته لاستكمال العلاج من آثار الإصابة بفيروس كورونا بألمانيا، وباستئنافه النشاط رسميا والتحاقه بمكتبه برئاسة الجمهورية، يدخل الجزائريون في حالة من الترقب لما سيتخذه من قرارات حاسمة، وكشف الستار عن ورقة طريق السنة الثانية من عهدته الرئاسية ومعالم استكمال الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الدبلوماسي. رئيس الجمهورية الذي ظهر الجمعة مستعيدا صحته وعافيته، والذي فضل أن تحمل أول نشاطاته اللون السياسي باستقباله رؤساء ثلاثة أحزاب سياسية، كان قبل مغادرته البلاد في 12 جانفي الماضي قد قدم ملخصا تقييميا لأداء المؤسسات والأجهزة في حضور المسؤوليين عليها، وكان تقييم الرئيس إيجابيا لأداء بعض المؤسسات تتقدمها المؤسسة العسكرية، إلا أنه في الوقت ذاته انتقد جهرا وزراء في الحكومة وولاة وعبر صراحة عن امتعاضه من بقاء عدد من الملفات التي يصفها الرئيس بالمحورية والاستراتيجية تراوح مكانها، خاصة ما تعلق بتأثير هذه الأخيرة على الوضع الاقتصادي للبلاد، والذي سبق للرئيس أن وعد بتحقيق معدلات نمو مقبولة خلال سنتين، هذا الوعد الذي يبقى مرهونا بالدرجة الأولى بأداء الجهاز التنفيذي وقدرته على إيجاد الآليات لتطبيق تعهدات الرئيس، فهل دقت ساعة حكومة جراد ورحيلها بات وشيكا بعد أن أضحى أحد المطالب الحزبية، وهو ما ظهر جليا من تسريبات فحوى الاستقبالات السياسية للرئيس، كما ذهبت كذلك قراءات سيميولوجية للقطة التي جمعت الرئيس بوزيره الأول لدى استقبال كبار مسؤولي الدولة له بالقاعة الشرفية لمطار بوفاريك للحديث عن برودة من الرئيس تبون تجاه جراد. الرئيس وعد في أول ظهور له في خطابه للأمة عبر فيديو مصور من إقامته بألمانيا، بعد إصابته بكورونا بمواصلة إصلاحاته التي تضمنها برنامجه الانتخابي، الذي يتضمن 54 التزاما في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو الوعد الذي يجعل الطبقة السياسية والرأي العام الوطني، ينتظر منه قرارات حاسمة، وقد يكون معطى أداء الحكومة قد فرض على الرئيس إعادة ترتيب الأولويات وبعدما ما كان الرأي العام يترقب قرارا بحل البرلمان، تحولت الأنظار إلى قصر الدكتور سعدان وأصبحت العديد من القراءات تتوقع تغييرا حكوميا وشيكا يسبق حتى المجالس المنتخبة، على اعتبار أن مهمة تنظيم الانتخابات لم تعد شأنا حكوميا، كما قد يلجأ إلى تعيين حكومة "انتخابات". على أن يكون التغيير الحكومي الحقيقي المنتظر مرتبطا بالتأكيد بالانتخابات التشريعية المسبقة، وما ستسفر عنه من نتائج ذلك أن الدستور الجديد ينص على طريقين لتشكيلها، وهو ما لا يمكن التنبؤ به حاليا في ظل عدم وضوح الخريطة السياسية الجديدة. الحديث عن ضرورة التغيير الحكومي وبعيدا عن الأسماء الوزارية وتقييم القطاعات لا يمكن دون التعرض إلى أداء الحكومة الهزيل وغير المستجيب لتطلعات الجزائريين ولا تطلعات الرئيس وأهدافه، حتى في ظل مبررات تداعيات أزمة الكوفيد 19 وتجند كل مؤسسات الدولة لمحاربتها، وخيار السلطات العليا للبلاد التي خلافا لدول مجاورة اختارت الاهتمام بالجانب الصحي على الاقتصاد، فالرئيس باستقباله ممثلي البترونا بداية الشهر الماضي، ودعوته لهم الانخراط في تطبيق مخطط الإنعاش الاقتصادي، أكد أن الملف يشكل أولوية الأولويات بالنسبة له، على عكس الوزير الأول الذي يبدو من خلال نشاطاته أن الموضوع خارج مجال اهتماماته. بعض المؤشرات الاقتصادية يتصدرها الركود الذي أحدثته الأزمة الصحية والحاجة إلى بعث الاقتصاد في ظل مطالبة المتعاملين الاقتصاديين بضرورة تجاوز أزمة كورونا تبرر الحاجة للتغيير الحكومي، بعد الفرص العديدة التي منحها الرئيس للفريق الحالي، والذي لم يقدم حلولا لمعضلات تدخل في صلب صلاحياته وأدواره، فلا تحرك حكوميا لوقف تراجع احتياطي الصرف الذي بلغ نهاية 2020 حدود 54 مليار دولار، ولا إيجاد آليات لمداواة عجز ميزان المدفوعات ولا علاج لعجز الميزان التجاري ولا مخارج للنجدة من مشكلة عجز الميزانية التي مازالت مطروحة والتي كانت محل تصريحات سابقة للرئيس. وإن كانت كورونا ضاعفت من متاعب الحكومة وزادت من حدة الأزمة الاقتصادية فخيار الرئيس استيراد اللقاح والإشارات التي بعث بها بخصوص تجاوز الأزمة الصحية تنبئ بقرارات حاسمة وتغيير وشيك للحكومة، وتعيين حكومة جديدة بإمكانها اقتراح مخطط مبتكر للوصول إلى اقتصاد جديد كان الرئيس قد رسم مسار ومعالم الوصول إليه، كما وجه حكومة جراد إلى الآليات الكفيلة ببلوغ الأهداف إلا أن المعطيات المتوفرة تبين أن الحكومة لم تلتزم بمخطط السير الذي رسمه الرئيس.