سلبت لعبة "فري فاير" عقول الأطفال من سن 6 إلى المراهقة، فتحوّلت إلى إدمان صعب التخلص منه. والأخطر في هذه اللعبة، أنك مجبر على امتلاك رصيد من الإنترنت، لشراء الأسلحة ومشاركة أصدقائك في اللعب الجماعي، وهو ما جعل كثيرا من الأطفال يلجأون إلى التسوّل والسرقة والعنف وحتى ممارسة سلوكات غير أخلاقية لتأمين رصيد الإنترنت. اشتكت كثيرا من الأمهات مؤخرا، من خطورة لعبة "فري فاير" على عقول وسلوكات أطفالهم، بعدما حوّلتهم اللعبة الرقمية الى مُتسوّلين ولصوص وحتّى شواذ. واللعبة عبارة عن تجمع لقرابة خمسين لاعبا غير مسلح في مكان واحد، بعد ذلك يتم نقلهم، حيث يسمح للّاعب باختيار المكان الذي يفضله للقفز من الطائرة واستخدام المظلة للهبوط على الجزيرة، ليبدأ سباق التسلح. وعند هبوطك ستكون أعزلاً تماماً، وعليك البحث عن الأسلحة والعتاد داخل المنازل في هذه الجزيرة، كما يمكنك أيضاً البحث عن العربات واستخدامها في النقل، أو دهس اللاعبين الآخرين. ويمكن اللعب كفريق أو بشكل منفرد، حيث يتواصل أعضاء الفريق مع بعضهم عبر المايكروفون. وتتميز هذه اللعبة عن غيرها من الألعاب الرقمية، بأنك تحتاج إلى رصيد لشراء الأسلحة أو أخذها من زملائك. إضافة إلى أن اللعبة ترسخ فكرة القتال حدّ الموت من أجل البقاء. والظاهرة، لفتت انتباهنا إليها إحدى الأمهات من بلدية شراقة بالعاصمة، والتي اكتشفت اختفاء الأموال من خزانتها كل مرة. يسرق أموال والدته لتعبئة رصيده وبعد الشّك في جميع من يتردّد على الأسرة، لدرجة أن الأمّ حسبت وجود جنّ بالمنزل يسرق أموالهم، وسألت راقيا حول الموضوع. لتكتشف صدفة أن ابنها صاحب 11 سنة، هو "السّارق" وبرّر لهم الأمر، أنه يستعمل المال لتعبئة رصيد هاتفه، لأجل لعب "فري فاير"، وأنه يتعرض للسخرية من أصدقائه عندما لا يملك رصيدا. وحتى يتعرض للتعنيف، عندما لا يتمكن من تعبئة رصيد أصدقائه، لأنهم يعبئون لبعضهم بالتناوب، وهو ما اضطره للسرقة. وهذه اللعبة الرقمية، تحوّلت فعلا إلى خطر على عقول الأطفال، فالمار مثلا على الطريق المحاذي لثانوية حسيبة بن بوعلي ببلدية القبة، يتفاجأ من عدد الأطفال المنزوين في أماكن خالية، وخاشعين على هواتفهم، تجدهم فرادى أو جماعات، جميعهم يلعب ال "فري فاير". شاهدنا مرّة طفلا بالمكان يبدو متمدرسا في الطور الابتدائي، كان منشغلا مع هاتفه وفي عز الامتحانات، سألناه ماذا يلعب؟ فقال فري فاير..وعندما أبدينا تعجبنا من بقائه في الشارع في وقت امتحانات، أجابنا "ألعب قليلا ثم أصعد للمنزل، فوالدتي ترفض إمساكي للهاتف بالمنزل، فأهرب خارجا". وعن كيفية تعبئة رصيد الإنترنت، أجاب "من مصروفي اليومي، أو تعطيني جدتي، وأحيانا أضطر للتسوّل" بالشارع !!. وجميعنا لاحظ ظاهرة تسوّل أطفال الابتدائي في الشوارع، فتجدهم بملابس أنيقة ومحافظ، يقتربون منك يطلبون مبلغ 50 دج!! وعندما تسأله عن سبب تسوّله المال، يدّعي بأنه سيركب بها الحافلة أو يشتري الأكل. وحسب ما شرحه لنا الطفل "معاذ"، من الشراقة بالعاصمة، وهو من مُدمني لعبة "فري فاير"، فإن اللاعبين الكبار في السن نوعا ما، لابد أن يمتلكوا بطاقة دفع، أما الصغار فيقومون بتعبئة رصيد مخصص للعبة، لدى محلات بيع الهواتف أو "الكوسمتيك"، أو يشترون "كود" مباشرة من الشركة الأم للعبة. وقال محدثنا: "الشحن يبدأ من مبلغ 250 دج ويصل حتى 2 مليون سنتيم أو أكثر أحيانا، عندما يكون الشخص مدمنا على اللعبة !!" وحسبه، يستعمل هذا الرصيد، في شراء الأسلحة التي يقاتل بها اللاعبون وبعض الأغراض. وفي هذا الصدد، أخبرتنا إحدى الأمهات، بأن جارتها أعلمتها مرة بأنها شاهدت ابنها يتسوّل المال من المارة، وعندما واجهته الأم، برّر لها فعلته، بأنها لأجل تعبئة رصيد هاتفه. ولفتت هذه الأم انتباهنا إلى ظاهرة خطيرة، حيث تتخوف من إجبار بعض الأطفال على ممارسة الفاحشة مع الكبار مقابل منحهم المال، عندما لا يجدون سبيلا لتوفيرها. وقالت "عندما اكتشفت تحميل ولدي لهذه اللعبة، استشرتُ طبيبة نفسانية حول الموضوع، وهي من طمأنتني وقالت لي أتركيه يلعبها، أفضل من بقائه في الشارع !! لكنني ندمتُ لاحقا؟". يؤكد الخبير في الرقمية، عثمان عبد اللوش ل"الشروق"، بأن العالم تغيّر، وبتنا نعيش ثورة رقمية هائلة لا يمكننا التحكم فيها، وقال "الآباء صار أقصى همهم توفير لقمة العيش لعائلاتهم، ومن ذا الذي يملك الوقت لمراقبة هاتف ولده؟ ". ويرى، بأن الأطفال صاروا متحكمين كثيرا في الرقمية، ولا يمكن لك مراقبتهم، وسرد لنا قصة طبيبة، عندما انزعجت من طول بقاء ابنها أمام جهاز الكمبيوتر للعب، فصلت الخيط الكهربائي للجهاز، لتكتشف أن ابنها لا يزال أمام الجهاز "إذ أنها لا تعلم بوجود بطارية في اللاب توب، وهذا دليل على تخلفنا نحن الكبار". اللعبة ممنوعة على الأطفال أقل من 16 سنة ومن جهتها، ذكرت المختصة الاجتماعية، أمينة سراب ل"الشروق"، أن لعبة "فري فاي" زادت من معدلات العنف بين الأطفال، فصرنا نراهم يتشاجرون أمام أبواب المدارس وفي الشوارع، وهو ما يمهد لظهور جيل عنيف بالمجتمع. مع تغذية مشاعر الكره والعدوانية والحقد على المجتمع، وحتى ظهور نوع من العدائية والحقد ضد منافسي الطفل في هذه اللعبة. وأضافت، ورغم أن هذه اللعبة ممنوعة على الأطفال أقل من 16 سنة، ولكن في الواقع كثيرا من متمدرسي الطور الابتدائي وحتى بالحضانة، مدمنون عليها وبتشجيع من الأهل. وناشدت مُحدثتنا العائلات، مراقبة أطفالها أثناء استعمالهم الهواتف النقالة، وتخصيص لهم أوقات معينة لذلك. كما دعتهم لتسجيل أطفالهم في جمعيات أو فرق رياضية أو مسرحية أو بالكشافة ودور الشباب، أو اصطحابهم للتنزه في الغابات أو الفضاءات الخضراء، لغرض اكتسابهم شخصية متوازنة وهادئة منذ الصغر.