عادت الحركية إلى المشهد السياسي مدفوعة بالتحولات التي تشهدها البلاد، وبرزت إلى الواجهة مساع ومبادرات تستهدف البحث عن حلول سياسية للأزمة التي تمر بها البلاد، منها من يبحث عن توافق سياسي موسّع، ومنها من يستهدف تجديد الطبقة السياسية، عبر العمل من أجل إقحام العازفين من فئة الشباب، للدخول في المعترك الانتخابي ممثلا في الانتخابات التشريعية والمحلية، المرتقب تنظيمهما قبل نهاية السنة الجارية. ومن بين هذه المساعي، "مبادرة نداء الوطن" التي أطلقها المستشار برئاسة الجمهورية المكلف بالحركة الجمعوية والجالية بالخارج، نزيه برمضان، والتي تعتبر واحدة من هذه المبادرات، وهي تستهدف "جمع الخيّرين من هذا الوطن لخدمة المجتمع وبناء مستقبل البلاد، وضمن نوايا رئيس الجمهورية لإشراك كل مكونات المجتمع، وعلى رأسها المجتمع المدني، للمساعدة في دفع الشباب إلى المشاركة وتنمية المجتمع في الجانب السياسي"، وفق ما جاء على لسان برمضان. الجديد في هذه المبادرة يكمن في أهدافها، فهي تركز على المجتمع المدني، وتستهدف فئة الشباب، التي عانت من التهميش في العهد السابق، الذي اعتمد منطق "المحاصصة والتزوير"، كما قال المستشار برئاسة الجمهورية، وهما من الآفات التي تسببت في الإطاحة بآمال الكثير من الجزائريين ولا سيما الشباب منهم. وتعتبر هذه المبادرة واحدة من الوعود التي أطلقها الرئيس تبون في حملته الانتخابية، وهو تجديد الطبقة السياسية التقليدية، التي تسببت في إفساد الممارسة السياسية، وهذا لا يتم إلا من خلال تسليم المشعل لفئة الشباب، وفي هذا الصدد، ينتظر أن يحمل مشروع القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، تسهيلات غير مسبوقة للشباب، مثل إسقاط عتبة ال4 بالمائة، وتدابير لتمويل الحملة الانتخابية، على أمل انخراط الشباب في سباق الانتخابات التشريعية المسبقة. المبادرة الثانية، هي تلك التي جاءت على لسان المترشح السابق للانتخابات الرئاسية، ورئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، الذي دعا بدوره إلى إنشاء تحالف سياسي، مقترحا بعض التسميات لمسعاه، من قبيل "تحالف الحل الدستوري"، أو "تحالف 22 فبراير"، أو "تحالف الحراك الأصيل"، أو "تحالف إرادة الشعب والثوابت". ولا تبدو هذه المبادرة بعيدة عن الأهداف التي رسمها المستشار برئاسة الجمهورية لمبادرته، كونها تصب في "دعم الخيار الانتخابي الذي يسعى الرئيس عبد المجيد تبون إلى تنفيذه، بعد حله البرلمان والتوجه نحو تنظيم انتخابات نيابية مسبقة في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة"، وهو المسعى الذي يأتي على أنقاض مبادرة "قوى الإصلاح"، التي كانت حركة البناء من بين المبادرين بها رفقة أحزاب أخرى. في الجهة المقابلة، تطرح مبادرة حزب جبهة القوى الاشتراكية، رؤية أخرى مغايرة من حيث الاستعداد للاستحقاقات المقبلة، تنبه إلى ضرورة الحرص على تفادي المحاذير التي قد تؤثر على نجاح تلك الاستحقاقات. ويشدد الحزب الأقدم في المعارضة، على ضرورة توفير ما سماها "الشروط الدنيا لعقد الانتخابات"، كما جاء على لسان عضو الهيئة الرئاسية للحزب، حكيم بلحسل، والذي يعتقد أنها غير متوفرة حاليا، وأنه لا مفر من تحقيق توافقات يفضي إليها حوار سياسي، وهو ما كان قد دعا إليه من خلال مبادرته المعروفة ب"الإجماع الوطني". وبعيدا عن هذه المبادرات، تبقى بقية الأحزاب الأخرى تترقب، وهي مرشحة بدورها للانخراط قريبا، في الحركية التي تطبع المشهد، كل انطلاقا من رؤيته وتصوره لكيفية خروج البلاد من حالة الاحتقان التي تعيشها.