تستخدم المجتمعات العربية، على وجه الخصوص، معايير خاصة في تصنيف الأفراد ورتبهم، إذ يمكن أن تبجل العائلة برمتها لمجرد أن يحتل الوالد منصبا مرموقا. والعكس، سلوكيات توارثها الناس، فصنعت فجوة اجتماعية عميقة، وخلقت طبقية بغيضة. في الماضي غير البعيد، كان الناس لا يزالون يلتفون حول العائلات البسيطة. فالعائلة والجيران والأقارب يعلمون عن الرجل ذي الدخل المحدود، ويحترمون موقعه وأهميته في المجتمع، ويعاملونه على أساس مواقفه وحسن معاملته، وكذلك أهله وخاصته، رغم أنه، في الماضي كما في الحاضر، لأصحاب المناصب والجاه والمال معاملة مرموقة خاصة. زوجات مبجلات بوظيفة الزوج تنال زوجات الشخصيات الفاعلة في المجتمع اهتماما استثنائيا أينما حللن، ويحظى أطفالهم بالمثل في المدرسة، وفي قاعات الرياضة، وأماكن التسلية في الحي. فالمعاملة اللطيفة لدى بعض الناس في مجتمعاتنا، تخضع لمدى احتياجهم إليك، وهل كنت شخصا قادرا على أن تسهل أمورهم الدنيوية، وتتوسط لهم يوما ما، حتى إن الكثير من الناس كانوا يعانون من تجاهل العائلة والأقارب والأصحاب. ولكنهم لاحظوا توددهم ولطفهم الزائد، بعد أن حازوا منصبا مهما. والغريب، أن هذه الظاهرة لم تعد تؤثر على الأفراد بحد ذاتهم، بل تنعكس على حياة أبنائهم وزوجاتهم، وحتى أفراد آخرين من الأسرة وزملاء لهم في العمل، بحيث يحظى بالتقدير والتبجيل أحيانا من لا يستحقه، بمجرد أنه ينتمي إلى عضو في المجلس الشعبي البلدي أو الولائي، أو حتى موظف حكومي في المستشفى أو المحكمة.. تروي السيدة رتيبة تجربتها مع المحيط، بعد سفر زوجها للعمل في الغربة: "منذ الأيام الأولى لرحيله، اضطررت إلى تحمل المسؤولية. لقد كان الجيران ينظرون إلي على أنني أرملة أو مطلقة، كيف أذهب إلى السوق وآخذ أطفالي إلى المدرسة.. حتى المعلمة، كانت مسرة على معرفة وظيفة والدهم، وتعاملهم بتحيز تام.. ورغم أنني ابنة عائلة مرموقة جدا، وأخلاقي يشهد بها الجميع، ومستواي التعليمي والثقافي عال، مقارنة بجاراتي، إلا أنهن كن يتحاشينني، ويلتففن حول أخريات أميات، يلتقين للنميمة ليس إلا، ويتوددن إليهن بالهدايا والحلويات، لأن أزواجهن يشغلون مناصب مهمة قد تفيدهن، فيما لا تطرق صديقة أو جارة أو قريبة بابي إلا نادرا، عطفا أو شفقة ..". تضيف رتيبة، بعد عودة زوجي من غربة دامت 11 سنة، تولى منصب مدير شركة، فتغيرت معاملة الناس لي ولأطفالي، وبات الكثير يقصدنا طمعا في تشغيل ابنه أو شقيقته. الطبقية نتاج العلاقات الاجتماعية ضيقة الأفق تفيد الأخصائية النفسية والاجتماعية، الأستاذة كريمة رويبي، في هذا الشق، بأن أغلب الأشخاص الذين يولون أهمية لأصحاب المناصب وأهليهم، ويحتقرون من ليس لديهم حاجة بهم من بسطاء الجيران أو الأصدقاء أو العائلة، يجهلون مخلفات سلوكياتهم الاجتماعية، وسعيهم غير المبرر نحو إحلال الطبقية بين فئات المجتمع الواحد، التي سيتضررون بها هم أنفسهم مستقبلا. وهي في ذلك تقول: "إن أفضل أسلوب للتعايش، ليس المساواة بين الفقير والغني، أو المساواة بين العالم والجاهل وذي المنصب، والإنسان البسيط، وإنما التعايش هو ألا نخلق شعورا بالدونية لدى زوجة فلان أو ابنه، لأن رب الأسرة عامل نظافة مثلا.. فقد يقدم هذا الموظف الأدنى أجرا لمجتمعه ما لا يقدمه منتخب برلماني. وبالطبع، فإن عائلته تستحق التقدير والتبجيل، لكونها تساعده على عمله وتدعمه لخدمة الناس"، إذ يبدو أن النظرة الاجتماعية السائدة في الوطن العربي على العموم هي نظرة أنانية ضيقة، تصنف مواقع الناس بمواقع آخرين، يقربونهم، وتستمر في السعي خلف رضاهم ومودتهم دهرا، قد يخذلونهم بعده