رغم أهمية قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، القاضي برفع السرية عن أرشيف الجزائر، الذي انقضى من عمره خمسين سنة، إلا أن وثائق واحدة من أهم القضايا الحساسة جدا، وهو ملف التجارب النووية الفرنسية في جنوب البلاد، يبقى غير معني برفع السرية، وهو يندرج ضمن الفترة الزمنية المعنية التي مسها القرار. صحيفة "لا ديباش" الفرنسية في قرار ماكرون محاولة لإعطاء دفع للعلاقات الجزائرية الفرنسية والسير بها نحو "مرحلة جديدة"، من خلال تطهيرها من "المحرمات" التي لا تزال تسمم أجواءها، بعد مرور نحو ستين عاما من استقلال الجزائر. ووصفت الجريدة ما يجري على محور الجزائرباريس، بأنه "تسارع لأعمال الذاكرة" منذ تقديم تقرير المؤرخ بنيامين ستورا تقريره في 20 يناير المنصرم، ودعت إلى زيادة وتيرة هذا التسارع بنهاية فترة الخمس سنوات المقبلة. ووفق الصحيفة ذاتها، فإن قرار قصر الإيليزي يتجاوز التجاوب مع المطالب الجزائرية التقليدية، إلى الاستجابة ل"مطالب المجتمع الجامعي"، الذي يشكو من الصعوبات المتزايدة في الوصول إلى المحفوظات السرية التي يزيد عمرها عن 50 عامًا بسبب التطبيق الحرفي ل"سرية الدفاع الوطني". وتضيف الصحيفة: "من الآن فصاعدًا، سيتمكن الأرشيف الوطني (الفرنسي) وخدمات وزارتي الخارجية والقوات المسلحة من رفع السرية عن المحفوظات بصناديق كاملة ولم تعد ورقة تلو الأخرى كما كان الحال. وهذا من شأنه أن يجعل من الممكن تقصير فترات الانتظار المرتبطة بإجراءات رفع السرية، لاسيما فيما يتعلق بالوثائق المتعلقة بالحرب الجزائرية (1954-1962). سيتمكن الباحثون من الوصول إلى وثائق تعود إلى عام 1970، وهو العام الذي غادر فيه آخر جندي فرنسي الجزائر". ومن شأن هذا القرار، تضيف "لا ديباش"، أن يساهم في تقفي آثار "المختفين" من الحرب (2200 جزائري حسب الجزائر)، و"الوثائق الداخلية التي كان من المحتمل أن تصدرها الدولة (الفرنسية)" خلال هذه الفترة. ومن بين الملفات التي ستبقى تحظى بالسرية، أو تلك التي وصفتها بشديدة الحساسية، المعلومات المتعلقة بالتجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية في الستينيات، وذلك بالرغم من أنها تندرج ضمن المدة الزمنية التي شملها قرار ماكرون، الأمر الذي يثير استياء الجزائر، تقول الصحيفة. "لا ديباش" نقلت عن أحد رجال المخابرات الفرنسية قوله: "بالنسبة للخبراء، لا ينبغي أن يؤدي فتح الأرشيف إلى اكتشافات كبيرة عن الجزائر، نحن نعرف كل شيء عن العمليات العسكرية وتسلل جبهة التحرير الوطني أو التعذيب.. واليوم فإن الجيش الفرنسي لا يدافع إطلاقاً عما حدث في الجزائر". من جهتها، وصفت صحيفة "لوموند" القرارات التي وقعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ب"سياسة الخطوات الصغيرة" على صعيد مصالحة الذاكرة، بينما كانت تعلق على السماح برفع السرية عن الأرشيف الجزائري خلال الثورة التحريرية. وكتبت "لوموند" قائلة إن ما أقدم عليه الرئيس الفرنسي، يندرج ضمن الاستجابة لإحدى توصيات تقرير المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، حول مصالحة الذاكرة الفرنسية – الجزائرية، والذي خلف كما هو معلوم، جدلا كبيرا في الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط. وقالت اليومية الفرنسية إن "هذا الإعلان يستجيب جزئيا لطلب الأكاديميين الذين يشتكون من عقبات أمام حرية الاطلاع على الوثائق التاريخية"، وهو القرار الذي جاء بعد أقل من أسبوع عن قرار مشابه اعترف من خلاله الرئيس ماكرون بمسؤولية الدولة الفرنسية في تصفية محامي جبهة التحرير الوطني، المناضل علي بومنجل في عام 1957. وترى "لوموند" أن القرار الصادر عن قصر الإيليزي، يهدف أيضاً إلى "تعزيز صورة ماكرون"، لدى الرأي العام الفرنسي، الذي يوجد من بينه الملايين من الجزائريين، المقيمين على التراب الفرنسي، ولهم كلمة في أي استحقاق انتخابي، علما أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي يراهن ماكرون على الفوز فيها، تجرى السنة المقبلة. ووفق الصحيفة ذاتها، فإن ماكرون يهدف من وراء هذا القرار إلى "سد الفجوة" بين قانون التراث والقانون الجنائي عندما يتعلق الأمر بالأرشيف، مشيرة إلى أن إعلان الإليزيه هذا "يثير ردود فعل متباينة في صفوف مجتمع المؤرخين الأرشيفيين، تتأرجح بين الرضا والحذر في مواجهة أوجه الشكوك التي لم يتم حلها بعد".