يبدو أن الواقع على اتساعه ورحابته، لم يعد كافيا لتصفية الحسابات بين المتخاصمات و"المتحاقدات". لذلك قرّرن أن ينقلن "المعركة" إلى المواقع الافتراضية، حيث أعداد المتفرجين والفضوليين والمصفقين بالآلاف والملايين. وغالبا ما تتم عملية تصفية الحسابات عبر نشر الغسيل القذر للأطراف المتنازعة من خلال رسائل مشفرة وغير مشفرة. وأحيانا يصل الأمر إلى نشر صور وبيانات الطرف المعني بما يشكل له فضيحة لا يمكن درؤها أو التحكم فيها خاصة عندما يتم تداولها في المجموعات والحسابات الخاصة. ولعل أكثر الأماكن التي تنتشر فيها هذه الخصومات هي التي تضم عددا كبيرا من الفتيات، على غرار الأحياء الجامعية التي تعرف انتشارا واسعا للظاهرة التي أصبحت تدعمها مواقع التواصل الاجتماعي والتي كشفت عن الحجم الحقيقي للصراعات هناك. إحدى المقيمات في حي جامعي كتبت رسالة غير مشفرة على الجدار ونشرتها على إحدى الصفحات، تقول فيها باللهجة الدارجة، أنه على اللصة التي سرقت سروالا أسودا كان منشورا أن تعيده فورا لأنها لن تسامحها في الدنيا والآخرة، متمنية أن "يتفتت" لحمها كما لبست الحرام. وإذا كانت هذه الطالبة قد وجهت رسالتها إلى زميلة مجهولة لا تعرف هويتها، ولكنها وصفت فعلها حتى تعرف نفسها، إلا أن الأمر يختلف بالنسبة للسيدة "ل". فقد وجهت هذه السيدة رسالتها إلى واحدة من معارفها التي خاطبتها من خلال صفحتها على فيسبوك والتي يبدو أنها صديقة معها على الحساب وكشفت مخططها الدنيء الذي كانت ترمي من خلاله إلى تعريضها للسحر، حيث ادّعت أنها جاءت بوجبة لتتسحر معها في رمضان الماضي، ولكن الكاميرا كشفت عن السحر الذي دسته لها في الطعام، ومن الممكن جدا أن الطرف المعني قد بلغته الرسالة. ولأن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت المجال واسعا للتجارة الالكترونية، فقد تمكّن الكثير من اللصوص والمحتالين من امتطاء هذه الموجة العاتية. في هذا الصدد، نشرت إحدى الناشطات على فيسبوك رسالة تضم الاسم الأول لخياطة تتعامل مع الزبونات عن بعد، تقول فيها إنها لن تسامحها لأنها سرقت نقودها ولم ترسل لها المطلوب. حيث تتلقى هذه الخياطة مبالغ مالية عبر حوالات بريدية من الزبونات بعد أن يقمن باختيار الثوب المناسب، إذ يكون الاتفاق بينها وبينهن أن ترسل لهن الثياب جاهزة عبر وسائل النقل. غير أنّ الخياطة التي ذكرت إحدى المتضررات أنها تقيم بنواحي قسنطينة تستقبل المال من الزبونات دون أن تخيط لهن الثياب، وهي الحيلة التي انطلت على الكثيرات، وهو ما كشفته التعليقات التي تحدثت عن نفس الخياطة التي تم ذكر اسمها والتحذير منها. كما حذّرت "فيسبوكية" أخرى من مسبوقة قضائيا أوهمت العديد من العرسان أنها تبيع أجهزة كهر ومنزلية بالتقسيط، وما إن تستقبل الدفعة الأولى من المبلغ الإجمالي حتى تختفي، ودعت هذه الناشطة إلى مشاركة منشورها حتى لا يتعرف عليها الجميع ويتقي شرها. وفي سيّاق آخر، قالت إحدى السيدات في مجموعة نسائية أنه على صاحبة منتوجات التسمين والتنحيف التي نشرت صورا لعملها، أن تجتهد وتنتج عملا خاصا بها لا أن تسرق مجهودات الأخريات وتعبهن وتدّعي أنه من إبداعها. ويبدو أن إحدى السيدات لم تمتلك الجرأة الكافية للدخول في معركة مباشرة مع سيدة تدعى عيشة خاطبتها باسم" السرّاقة" التي سرقت منها زوجها ما جعله يتخلى عن أولاده وزوجته من أجلها، حيث طلبت منها أن "تخلي" سبيله لتستمر معه الحياة. من الواضح أن مواقع التواصل الاجتماعي التي تموج بالكثير من الصراعات والنزاعات التي تصل إلى حد ارتكاب الجرائم، لها ما يبررها في الواقع المعاش الذي عجز عن احتوائها وإيجاد حلول لها، فانتقلت العداوة إلى الواقع الافتراضي الذي لن يزيد هذه الصراعات إلا توترا وتفاقما.