هي أيام قليلة تفصلنا عن موعد الثاني من شهر جوان القادم، موعد أهم وآخر الامتحانات المحترمة والمتغلغلة في وجدان المجتمع الجزائري، وهي شهادة البكالوريا، التي تبقى حلم نصف مليون طالب مقبل على خوضها في نسخة 2013، والملايين من أشقائهم وأصحابهم وأوليائهم بالخصوص، وعندما يبلغ الهوس بالبكالوريا أن يتحوّل إلى الحدث الأهم في الجزائر، فمعنى ذلك أن كل الطرق تؤدي إليها، حتى ولو ابتعدت عن العلم نفسه.. وللأسف عن الدين أيضا. وفي غياب التكفل النفسي والطبي، وحتى الاجتماعي بمئات الآلاف من الممتحنين، وقعت الكثير في الأخطاء، وخاصة في تعاطي المقويات والخلطات التي صارت تتهاطل على الجزائر، وتسوّق لها وتشهرها العشرات من الفضائيات العربية بالخصوص، بزعم تقوية الذاكرة، ومن الأدوية التي صارت تلقى رواجا لدى بنات وشباب الباكلوريا، دواء جوفامين الذي يتعاطاه الممتحنون لتنشيط ذاكرتهم، ودواء "أونتي ستراس" للقضاء على التعب، ويدمن غالبية المحضرين لشهادة البكالوريا على شرب الشاي بكل أنواعه والقهوة، من أجل طرد النوم من جفونهم، أما الطاغي لدى التلاميذ فهو الشرب إلى حد الثمالة لمشروب رادبول، بحثا عن القوة المزعومة، خاصة أن الفضائيات صارت تُشهر لهذا المشروب، وهو متوفر في الحوانيت، وأيضا في المساحات الكبرى، أما الأخطر فهو ما يباع في الأسواق الشعبية وهو عبارة عن عقاقير، يدعّي أصحابها أنها تمنح الذكاء في لحظات لشاربها، مما يعني أنه بمجرد الانتهاء من امتحان شهادة البكالوريا، حتى يغرق التلاميذ في أمراض جسدية أخرى، وأحيانا نفسية بالنسبة للكثيرين. وشاع في سنوات الصحوة الإسلامية أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، لجوء التلاميذ إلى أداء الصلاة والمداومة عليها، ولكن الآن غالبية التلاميذ داوموا على فريضة الصلاة منذ دخولهم الثانوية، وربما قبل هذا التاريخ، ولكن قراءة القرآن والصلاة في المسجد تتضاعف مع اقتراب امتحان البكالوريا، وهذا بالموازاة مع ما تقوم به الأمهات والآباء من دعوات وصلوات لأجل نجاح أبنائهم، وفي الغالب يحتفظ الأولياء بقارورة من ماء زمزم، بلغت العائلة من قريب أو صديق، أو حتى بالجوء لشرائها لأجل تقديمها لأبنائهم في الأيام الأخيرة من فترة المراجعة، وخاصة في أيام الامتحان. ولأن الموعد مهم، فإن المشعوذين وقارئات الكف يستغلنه بطريقة بشعة عبر عرض دجلهم ودجلهن على التلاميذ المراهقين، حيث تقوم الطالبات بنقل كراريسهن إلى المشعوذين، طلبا في أن يحدّدوا لهن الدروس التي تكون معنية بالامتحان، والأخطر أنهم يمنحون الأمل لكل من يطلب منهم الشعوذة أو قراءة الكف، وتقوم بعض الطالبات بتعلم قراءة الكف حسب ما تقدمه إحدى القنوات اللبنانية، وتمارسن "تضييع الوقت وإيهام البنات" في الأيام الأخيرة لشهادة البكالوريا، بعيدا عن التحضير الحقيقي الواجب انتهاجه لتحقيق النجاح. وفي عالم الفايسبوك، يتبادل التلاميذ المقدمون على البكالوريا النصائح والوصفات الوهمية لأجل النجاح من كتيبات تتحدث عن النجاح المؤكد بأقل التكاليف ومن دون تعب، كما يقوم بعض التلاميذ بحفظ بعض الآيات والأحاديث الشريفة، وتداولها على نطاق واسع، وطلب إرسالها لأكبر عدد ممكن من رواد الفايسبوك، ليكون النجاح من نصيبهم في اليوم الموعود، ولكن تلاميذ آخرين لجأوا إلى تعلم أساليب الغش خلال الامتحان بالتحضير لقصاصات تحمل دروسا بالكامل، بينما لجأت طالبات لتعلم الميوعة، حتى تكن في الوعد بتبرجهن التي تسلب به عقل الحارس في يوم الامتحان، ومنهن من اشترين العدسات الملونة.