إذا كان محمد فلاق الفنان الذي عرف كيف يجعل من المأساة التي تعيشها الجزائر، ثقافة ساخرة مكرسة في الذهنية الجماعية ، فان ذاكرة الجماعة لم تنتهي من التدوين لهذه الثقافة التي أصبحت بمثابة عرض مرضي بالنسبة للمسرحي/ الكاتب، فهذا الأخير يصح أن يلقب بمريض الفترة أو الحقبة التي لازال يستمد عنها مادته ، يرصد ملامحها الكاريكاتورية، و يغذيها بسخريته السوداء. لا تعد الرواية الجديدة لمحمد فلاق " مفجر الأحلام البربرية" التي صدرت مؤخرا لدى منشورات " جي سي لاتاس" بفرنسا سوى صيغة جديدة في تأريخ الواقع المر الذي سكن ذاكرة الشاب الحالم بأفق الهجرة قبل أن تحوله مجاري القدر نحو الركح. هناك فجر صرخته الهيستيرية في فضح صورة لم يجد الكثيرون الطريق للبوح بها علنا بينما وجد فلاق الوصفة الذكية لمعالجة داء الكبت، الضحك. هكذا و في مواقف درامية فكاهية قام بتعرية النظام و نقاط تأثيره على الحياة الاجتماعية للأفراد، أو " الشعب" ، من خلال العلاقة بينهما ، و هو يسخر مع نفسه ، يستهزأ بالمعاناة و الفقر الذين يحتفظ عنهما ذكريات سوداء ، حيث كان الشارع مسرحا ترتطم عليه كل الأحداث التي يترجمها "المونولوجيست" في حكايات حميمية، تخفف الفكاهة عنها وزر الألم، و جعلت الجمهور ينطوي لها من شدة الضحك، و تسقط الدموع بدل التنهد. و هي كذلك "مفجر الأحلام البربرية" ، العودة إلى ذلك الشارع الشعبي الجزائري، للترصد بملامح "مهازل" اجتماعية جديدة على خلفية البوح بالأزمة ، حيث تدور أحداث الرواية بإحدى أحياء العاصمة الشعبية، في سنوات التسعينيات، " كان الماء يوزع مرتين كل أسبوع، من الثالثة إلى السادسة صباحا " ،البطل الذي اختاره فلاق هذه المرة هو ، زكريا صحفي شهير، سيتغذى من يوميات هذا الحي أين يتفقد أحوال جيرانه من شرفته الصغيرة ، لكتابة روايته القادمة، الحلم الذي لازال يطارد ضميره و يصارعه ، كونه لم يستطع تحقيقه من قبل ، في ظل نظام قيد كل الحريات. فمنذ انفجار الوضع في أحداث أكتوبر 1988 ، التحاقه لصف المعارضة، وجد الصحفي نفسه بين المطرقة و السندان، بين مطرقة نظام متسلط ، و هاجس الاسلامويين المتطرفين الذين أعلنوا الحرب ضد كل من لا يتبع النهج. و للهروب من هذا الوضع لم يجد زكريا أفضل من الاختباء في بيته، لا يبرح شرفته طيلة النهار إلا عند حلول الليل حيث سيروي أغرب الحكايات، التي تتشرد مكبوتة في بلد سقط في فخ الخوف. في " مفجر الأحلام البربرية" ، يفجر فلاق كالعادة، مخيلة شعب مولع بممارسة ارقى الهوايات، الضحك على مأساته. فاطمة بارودي المقال في صفحة الجريدة pdf