مطاعم الرحمة، وإن كانت رمزا رمضانيا ووساما إسلاميا، تتحلى وتتجمل به شوراع وأزقة الجزائر العاصمة في شهر الإحسان والرحمة، فإن الوجه الثاني لقلادة 'مطاعم الرحمة' هي تلك الدلالات المستوحاة من السلاسل البشرية التي تتحلق حول مداخل هذه المطاعم أربع ساعات قبل الإفطار للظفر بمقعد على مائدة رمضان، بعد أن امتلأت شوارع العاصمة بعابري السبيل والوافدين و ضاقت أحياؤها بالفقراء والمحتاجين وغاصت أزقتها بالمشردين. الساعة الرابعة مساءا من اليوم الخامس عشر من رمضان بشوارع العاصمة الرئيسية و هو الوقت الذي بدأنا البحث فيه عن مطاعم الرحمة ومن يرتدون عليها قصد مقاسمتهم لحظات الإفطار بعيدا عن الأهل، وإكتشاف ما خفي عن الصائمين الملتفين حول مائدة الإفطار في البيوت والمنازل لحظة تكبيرة آذان المغرب. في ضيافة 'مطاعم الرحمة'..صداقات و مشاريع مستقبلية البداية كانت من 'مطعم الرحمة' لبلدية الجزائر الوسطى المجاور لساحة بور سعيد المعروفة بالنسبة الكبيرة من الشباب القادمين من الولايات الثمانية والأربعين للوطن. والذين وجدوا في مطاعم الرحمة فضاءا يسدُ و لو القليل من الفراغ الذي أحدثه البُعد عن الأهل خاصة في مثل هذه المواسيم بإجتماعهم كعائلة واحدة تحت سقف مطعم الرحمة الذي يعتبر مساعدا لإدخار ماجنوه طيلة اليوم من مال عوض دفعه في فاتورة وجبة الإفطار بمطاعم الخواص التي تضاعف الفاتورة في شهر رمضان حسب أحد الشباب الذي اختار أن يقضي إفطار أيام رمضان في مطعم الرحمة برفقة عائلة جديدة تشكلت بداية من اليوم الأول للشهر الفضيل، إذ يقول:" نحن هنا نفطر من أول يوم من رمضان، فوالله أصبحنا عائلة واحدة.. فبفضل هذه المائدة إجتمعنا وعقدنا صداقات" وقاطعه أحد ممن يقاسمه الطاولة بقوله" أنا التقيت بأحد الشباب القادم من جيجل هنا، في هذا المطعم..وأصطحبني للعمل معه في مجال البناء" فهكذا تعدّت حسنات مطاعم الرحمة من إفطار الصائمين والإحسان للمساكين إلى عقد الصداقات وخلق فرص العمل والقائمة لاتزال مفتوحة.. من يصل على السادسة .. فهو متأخر والظاهرة الملفتة للإنتباه بمطاعم الرحمة بالعاصمة هي بداية توافد الجموع عليها إبتداءا من الساعة الرابعة لحجز المقاعد إذ أكد لنا المسير العام لمطعم الرحمة لبلدية الجزائر الوسطى السيد.س:"من حوالي الساعة الرابعة مساءا يبدأ توافد الصائمون من رجال ونساء وشباب الذين ليس لهم بيت أو أهل هنا بالعاصمة..وفي ظرف ساعة أو ساعة ونصف تمتلأ كل القاعة التي تضم 320 مقعدا، مادفعنا لتوزيع ثاني أي بعد ربع ساعة من الإفطاريدخل الفوج الثاني الذي كان ينتظر بالخارج" وأضاف" مطعم الرحمة لبلدية الجزائر الوسطى يستقبل يوميا مايفوق 650 صائم". وهو ذات الحال بمطعم الرحمة لبلدية سيدي أمحمد إذ في حدود الساعة الخامسة لم يعد هناك أي مقعد شاغر بالمطعم الذي يقدم أزيد من 100وجبة يوميا، ولضيق المكان إضطر الكثير من المنحتاجين لأخذ وجبتهم من المطعم وتناوله في أي مكان مستور. وتعجب أحد رواد مطعم الرحمة من سؤالنا عن تبكيره لمطعم الرحمة قبل أربع ساعات من موعد الإفطارحين قال" من يصل على الساعة السادسة إلى مطعم الرحمة لايجد له مكان..وفوّت عن وجبة نفسه إفطار اليوم.." وعن كيفية قضائه للوقت بالمطعم لغاية الآذان أجاب محدثنا " كل يوم بطريقة..فعادة أجد أناس أعرفهم فأدردش معهم ..وبعض الأحيان تكون معي جريدة أومع غيري فأتصفحها..المهم أن أحجز لي مقعدا قبل السادسة مساءا". أساتذة، شباب ونساء..تعددت الأسباب والمطعم واحد إخترقنا طوابير مطاعم الرحمة لبلدية الجزائر الوسطى و بلدية سيدي أمحمد ومطعم عابرالسبيل بشارع طرابلس بحسين داي و مطعم الفوج الكشفي 'الفوضيل الورثلاني' ببوروبة ومطعم خيري بباش جراح سعيا منا لمعرفة فئات وشرائح المجتمع التي تقصد هذه المطاعم، فمثلت فئة الشباب الأغلبية الساحقة من رواد مطاعم الرحمة وأغلبهم من قاطني الولايات الداخلية الذين دفعت بهم الحاجة ونقص فرص العمل بولايتهم للهجرة إلى العاصمة بإعتباره القطب الإقتصادي الأول في الجزائر، حيث قال الشاب سمير من تيزي وزو " أنا قادم من ولاية تيزي وزو للعمل بالعاصمة فهنا فرص العمل أكثر.. وبعد خروجي من العمل مباشرة أتوجه لأقرب مطعم رحمة لأحجز مقعدا لي" وأضاف الشاب معاذ من باتنة " يعتبر مطعم الرحمة لنا مساعدا على الإدخار والإقتصاد بالإضافة إلى أن معظم المطاعم الخاصة مغلوقة عند الإفطار"، في حين ثنى محمد من جيجل على الوجبات المقبولة التي تُقدم في مطاعم الرحمة والمعاملة الحسنة من قبل مسيري المطعم بقوله" لماذا لا نقصد مطاعم الرحمة بإعتبارها مخصصة لأمثالنا من عابري السبيل.. والحمد لله ليس هناك مايضطرنا للعزوف عن القدوم إليها ..فمايقدمونه من وجبات جد مقبولة ومعايير النظافة محترمة إلى حد ما.. والمعاملة تحسنت بكثير مقارنة بالسنة الماضية". ومن بين من إصطف عند مدخل مطعم الرحمة، لا لتناول وجبة الإفطار بمطعم الرحمة بل للظفر بوجبة ساخنة للعائلة ، أستاذ بالتعليم المتوسط الذي أعرب عن سخطه بسبب الوضعية المتردية للأستاذ في الجزائر، على حد تعبيره : " والله حالة الأستاذ الجزائري تدعي للقلق.. مرتبي لايفي لتغطية حاجيات العائلة في رمضان زد على ذلك مصاريف الدخول المدرسي ، فقدمت بطلب لمصلحة الشؤون الإجتماعية بالبلدية وتحصلت على وصل لإستلام الوجبات يوميا من مطعم الرحمة ". وفي مطاعم الرحمة نساء أيضا، ممن قذفت بهم الظروف خارج بيوتهم، بإتجاه الشارع والعراء. إذ التقينا بالعديد من النساء المتشردات اللواتي وجدن في مطاعم الرحمة فرصة لإفتكاك وجبة تغنيهم عن مد اليد" في رمضان نصوموا ..ونأتي للإفطار في مطعم الرحمة، لكن بعد نهاية رمضان لا نجد مانأكله.."هكذا شكت حالها حليمة ' سيدة دون مسكن ثابت sdf' وعن سؤالنا لماذا لاتقصد مراكز الإسعاف الإجتماعي أجابت "أنا لا أذهب إلى هناك مرة أخرى ..إنه سجن.. أفضل مطاعم الرحمة لوتبقى طوال السنة" والبعض أغرتهم وجبات البطاطا باللحم..بعد أن اشتاقوا لها أما البعض الآخر من العائلات فقصد مطاعم الرحمة بعد أن سمع عن القائمة الشهية لوجبة الإفطار بهذه المطاعم والتي لاتخلو من مادة اللحم وفي الكثير من الأحيان يُزينها طبق البطاطا رغم غلاء هذه الأخيرة في الأسواق ماتسبب في إفتقار مائدة رمضان العائلات الجزائرية للبطاطا، فإشتياقهم لهذه المواد الغذائية النفيسة دفع بهم للإستنجاد بوجبة دسمة ساخنة من مطاعم الرحمة. إلا أن هذا التصرف أثار حفيظة بعض المحتاجين وعابري السبيل عندما لم يجدوا لامقعدا ولا وجبة في مطعم خصص في الأصل لهم..فهل تدنت القدرة الشرائية للمواتطن الجزائري حتى صار جميع الجزائريين محتاجين لرحمة ووجبة مطعم الرحمة..؟ زين العابدين جبارة