عابد شارف بلغ سعر برميل النفط قمة جديدة خلال هذا الأسبوع، حيث تجاوز 90 دولارا، قبل أن يستقر في مستوى قريب من هذا المستوى. ويعتبر كل المحللين أن أسعار النفط ستبقى مرتفعة خلال الأشهر القادمة، بل أنها مرشحة للارتفاع من جديد، لأن هناك عوامل أساسية تدفع إلى ارتفاع مستمر للأسعار. ودون أن نحاول أن نحصر كل هذه العوامل، يمكن أن نذكر أهمها: 1. إن إنتاج النفط سيرتفع في السنوات القادمة لكنه لن يبلغ مستوى ارتفاع الاستهلاك، لأن هناك بلدان نامية قامت ببناء اقتصاد يرتكز على استهلاك كبير للطاقة، وتعرف هذه البلدان نموا يتجاوز 10 بالمائة سنويا، مما يدفعها إلى استهلاك كميات أكبر من المحروقات. 2. إن البلدان الغنية تعرف أن عهد الاتكال على المحروقات قد ولى، وهي تبحث عن بديل للمنتصف الثاني من هذا القرن، مما يدفعها إلى تشجيع ارتفاع أسعار النفط لتتم الاستثمارات الضرورية في الأبحاث وفي الطاقات الجديدة. في نفس الوقت يعتبر كل الخبراء أن اكتشاف مصادر كبيرة للنفط أصبح مستبعدا، وأن اكتشاف طاقات جديدة وتطويرها لتنافس البترول والغاز يتطلب على الأقل ربع قرن. 3. إن ارتفاع أسعار النفط يعمل لصالح الولاياتالمتحدة، لأن منافسيها في الميدان الاقتصادي سيجدون أنفسهم مضطرين لدفع مبالغ أكبر فأكبر لتغطية حاجتها، مع العلم أن هذه الأموال سيتم دفعها للبلدان المصدرة للنفط التي ستقوم بدورها بتخزينها لدى الخزينة الأمريكية، مما يعطي واشنطن وسيلة للضغط والتأثير السياسي والاقتصادي. ونظرا لهذه المعطيات، فإن كل بلدان العالم أصبحت تحسب ألف حساب لتغطية حاجتها من الطاقة، أو لاستعمال أموالها التي تحصل عليها عن طريق تصدير المحروقات. فالبرازيل مثلا أصبح يستثمر بكثرة في إنتاج البترول عن طريق الزراعة، وقررت الصين أن تشرع في استثمار يفوق كل ما يمكن أن نتصور في الطاقة النووية، وفرضت روسيا نفسها كقوة يجب احترامها بعد أن استعادت قوة اقتصادية بفضل مخزونها من الطاقة، مع العلم أن روسيا فشلت في فرض نفسها بدباباتها وسلاحها النووي، وتمكن النرويج أن يستثمر حوالي 500 مليار دولار من عائداته من النفط في مختلف أنحاء العالم لتضمن مداخيل محترمة للأجيال القادمة... نقول أن كل بلدان العالم أصبحت تحسب ألف حساب لعامل الطاقة في العالم الجديد. كل البلدان، إلا الجزائر... فالجزائر رفضت أن تدمج هذه المعطيات الجديدة في اقتصادها، ومازالت تتعامل مع البترول في قانون الانتخابات على أساس سعر مرجعي يعود إلى ما قبل التاريخ. ولما يقوم وزير المالية بتحضير قانون المالية، فإنه يبنيه على أساس سعر 19 دولار للبرميل. وفي نهاية السنة، تقول الحكومة أنها حققت فائضا عظيما، وأن مخزون البلاد من العملة الصعبة ارتفع بدوره ليبلغ مستوى تاريخي. وحقيقة الأمر أن الإدارة الجزائرية لا تعرف كيف تتعامل مع المعطيات الجديدة، وكأنها لم تفهمها لحد الآن. وإذا افترضنا أنها ستتعامل مع سعر 40 أو 50 دولار للبرميل، فإنها ستجد نفسها مضطرة للتفكير في كيفية استعمال هذه المداخيل، وطريقة استثمارها، وتحويلها إلى رفاهية وخدمات لصالح المواطن. لكن يبدو أن الإدارة الجزائرية أصبحت عاجزة عن مثل هذا الاجتهاد، وهي تفضل أن تبقى على السعر القديم، مما يسمح لها بتجنب أي تفكير إضافي. ومن يعجز عن مثل هذه العمليات البسيطة لا يستطيع أن يتنبأ بنتائج ارتفاع أسعار النفط في العالم ولا في الجزائر، ولا يستطيع اتخاذ التدابير الضرورية لمواجهة الوضع. فارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى سلسلة من الأزمات في البلاد، منها ارتفاع واضح في أسعار المواد الاستهلاكية، خاصة المواد الغذائية وكل المنتوجات المستوردة التي يدخل البترول والغاز في إنتاجها. ويقول الخبراء مثلا أن أسعار القمح التي ارتفعت بصفة ملحوظة هذه السنة، ستواصل ارتفاعها لأن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية سيتم تخصيصها في المستقبل للزراعة الموجهة لإنتاج الطاقة. وتراجع المساحات يؤدي إلى تراجع في إنتاج القمح، وبالتالي إلى ارتفاع الأسعار... وسيقع نفس الشيء بالنسبة للحوم والذرى الذي يستعمل في تربية المواشي وإنتاج الحليب وغير ذلك... وإذا واصلت الجزائر على هذه الطريقة، فإنها ستجد نفسها في يوم ما تستعمل في تسيير اقتصادها طريقة منعزلة بصفة كاملة عن الاقتصاد العالمي. وقد ظهرت البوادر الأولى لهذا التطور العظيم لما قال أكبر "خبير" في الحكومة أن تراجع قيمة الدولار لم تؤثر على واردات البلاد، ولما عجزت الحكومة عن حل مشكل بدائي مثل أزمة البطاطا. ولكن هل يستغرب هذا في بلد يعيش من النفط ويتجاهل رسميا يعر النفط؟