وصلت معاناة المواطنين خلال سعيهم للحصول على وثائق أو إيداعها أو حتى السؤال عنها في بعض المديريات التنفيذية بولاية برج بوعريريج إلى درجة لا توصف حتى أنهم أطلقوا على ما يلاقونه فيها تسمية "إرهاب الإدارة" بعد أن تحوَّل عدد من المديريات التنفيذية بالولاية إلى مناطق محرَّمة وملغمة رغم أنها وُجدت لخدمة المواطن وتحقيق راحته في إطار تقديم الخدمة العمومية المناسبة حسب ما تنص عليه قوانين الجمهورية وأصبح من الضروري جدا أن تكون على صلة عائلية بأحد الموظفين وتملك واسطة من الوزن الثقيل للمرور وقضاء حوائجك. مديريات خاوية على عروشها ما يشد الانتباه عند دخولك إلى المديريات هي التعليمات الفوقية الصادرة عن وزير القطاع أو أمين عام الوزارة المعنية أو المدير الولائي المعلقة في المداخل والتي تنص على ضرورة البقاء في المكاتب خلال ساعات الدوام وكذا الالتحاق بأماكن العمل في الوقت المتعارف عليه بالإدارات الجزائرية وهو من الثامنة صباحا إلى الرابعة والنصف مساءً، إلا أن الواقع المر الذي يلاقيه المواطن داخل هذه الإدارات هو الأبواب الموصدة والمقرات الخاوية على عروشها تثبت أن المسؤول الذي أصدر التعليمة هو أول من يدوس عليها ليتبعه رؤساء المصالح ومختلف الموظفين ولكل واحد منهم عذر يتحجج به إذا ما تعرض للمساءلة من المسؤول المباشر عنه. وخلال محاولتك لنقل شكواك إلى المدير بعد انتظارك لساعات إن لم تكن أيام حتى تفتح الأبواب وتتم مباشرة العمل بمختلف المكاتب ظنا منك أنه سيضرب بيد من حديد ويلتزم كل واحد بعمله، تجد في وجهك أحد الأعوان الذي يجيبك بأن المدير غائب بسبب اجتماع في الولاية أو لا يستطيع مقابلتك لأنه لا يستقبل إلا خلال أيام المحددة لاستقبال المواطنين والتي عادة ما يغيب خلالها لسبب أو لآخر.
المجمع الهاتفي لا يرد ومن المفارقات التي تصيب المواطن بالذهول هو خدمات المجمعات الهاتفية بالمديريات والتي تتواجد معظمها إما خارج الخدمة أو لا أحد يرد على الهاتف ولو رن طيلة النهار، حيث يضطر المواطنون إلى التنقل إلى مقرات المديريات للسؤال عن ملف أو عن وثيقة أو لحاجة أخرى يستطيع أن يقضيها باستعمال الهاتف دون تكبد عناء التنقل خاصة وأن جميع المديريات تتواجد بعاصمة الولاية. ورغم استمرار هذه الظاهرة إلا أن المسؤولين لا يولونها اهتماما وكأن الأمر لا يعنيهم أو يروق لهم بتوقف المكالمات الهاتفية ومعها ما قد يعتبرونه إزعاجا لهم.
حجّاب برتبة مديرين أن تعرف الحاجب أو عون الأمن المسؤول عن الاستقبال والتوجيه خير ألف مرة أن تكون على معرفة بالمسؤولين بالعديد من المديريات التنفيذية بولاية البرج حيث أصبح الحجّاب هم الآمرين الناهين بعد أن أعطيت لهم مساحات معتبرة للتصرف والتدخل في كل كبيرة وصغيرة في المديريات حيث انقلبت الآية وأصبح أعوان الأمن ينوبون عن المديرين ورؤساء المصالح في الرد على انشغالات المواطنين الذين يقصدونها لقضاء حوائجهم. وما تشهده بعض المديريات من شجارات وتبادل للضرب والسب والشتم بين أعوان الأمن ومواطنين هو لسان حال ما وصلت إليه الخدمة العمومية التي خصَّصت لها رئاسة الحكومة وزارة خاصة بها لتحسينها والسهر على تسييرها وتخليصها من البيروقراطية والمحسوبية وكل أنواع الفساد الذي ينخر جسم الإدارة الجزائرية.
وثائق عالقة يجد المواطنون بولاية البرج خلال تحركاتهم لاستخراج الوثائق أو إيداعها وخلال تعاملهم مع المديريات التنفيذية والإدارات المحلية أنفسهم في رحلات مكوكية، حيث يقضون أشواطا كثيرة ذهابا وإيابا في انتظار أن يتم تسوية الأمر ومنحهم ما يبحثون عنه تحت الشعار المتعارف عليه "عُد في وقت لاحق" وقد يستمر ما يسمونه ب"الوقت اللاحق" أياما وحتى أسابيع. ورغم أن المسؤول الأول بالولاية أصدر منذ توليه شؤون تسييرها أوامرَ وتعليمات صارمة لجميع الإدارات لفتح الأبواب واستقبال المواطنين والاهتمام بانشغالاتهم وقضاء حوائجهم في إطار ما يسمح به القانون، إلا إن عدم التقيد بهذه التعليمات وإهمال تنفيذها حوَّل وجهة المواطنين إلى مقر الولاية بحثا عن لقاء المسؤول التنفيذي لطرح مشاكلهم إذ تحولت ولاية البرج إلى قبلة يقصدها المواطنون الذين ضاقوا ذرعا بالبيروقراطية وسياسة التسويف بالإدارات المحلية، حيث تصادف أعدادا معتبرة من المواطنين يوميا بمقر الولاية يطلبون لقاء الوالي لإيصال رسائلهم وانشغالاتهم خاصة وأن هذا الأخير يفتح أبوابه لاستقبال المواطنين بشكل يومي وليس فقط خلال أيام الاستقبال الرسمي، كما أصبح المواطنون ينتظرون خروجه في زيارات تفقدية للبلديات والقرى لنقل انشغالاتهم بسبب عدم تمكنهم من الوصول إلى مديري بعض القطاعات الذين يفترض فيهم النيابة عن والي الولاية والتكفل بمشاكل المواطنين على مستواهم، إلا أن غلق أبواب الحوار والتواصل وعدم الاكتراث خلق فجوة عميقة بين المواطن والمسؤول وجعل غلق الطرق السبيل الأمثل لإيصال صوته إلى أعلى المستويات رغم ما تخلفه هذه الاحتجاجات من مشاكل على المواطنين أنفسهم قد تنتهي بمآس وبمتابعات قضائية. ويطالب المواطنون بولاية برج بوعريريج باستحداث فرق تفتيشية فجائية لمختلف الإدارات للوقوف على حقيقة الخدمة العمومية بها ومن ثمة رفع تقارير مفصلة إلى المسؤول التنفيذي الأول من أجل الضرب بيد من حديد لكل من يتجاهل التعليمات ويعتبر نفسه فوق القانون ويرهن حقوق المواطنين في إسماع صوتهم والحصول على وثائقهم أو إيداعها.