صهيب عسقلاني بعيداً عن ازدحامات "التحاليل المجهرية السياسية" لما يجري من مفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، وبعيداً عن الفذلكات الإعلامية واختراع الإنجازات المستقبلية والتنبؤ بما فيها من ورود ورياحين وجنات وعيون، حيث سمعنا البعض يتحدث عن "معارك" المفاوضات و"التمترس" الأسطوري من قبل المفاوض مقابل تقطب جبين العدو الصهيوني! وسمعنا قولا عجباً وهو أن حل القضية الفلسطينية "العالقة" منذ ستين عاماً شارف على الانتهاء في مؤتمر "السلام" القادم من وجهة نظر المفاوض الفلسطيني، مؤتمر "التطبيع والعلاقات العامة" من وجهتي نظر أمريكا والعدو الصهيوني. لن نسأل الأسئلة التالية: في أي مساحة يقف المفاوض، ومن أي أرضية ينطلق، وما سمك الجدار الذي يستند إليه، وهل هناك شيء له مسمى معين يحمي ما سوف يتوصل إليه من اتفاقات توصف بأنها "حلول"، وإذا لم يكن هناك شيء ملموس ذو قيمة يحمي هذه الاتفاقات فهل تحميها النية الطيبة من "إسرائيل" أم الحلم الوردي للمفاوض الفلسطيني!؟ وهي أسئلة "منطقية" تحتاج إلى إجابة شافية من قبل المفاوض الفلسطيني؟! لكن المفاوض الذي يسير بغير هدى من الله ولا من شعبه ولا من أمته لا يملك الإجابة على هذه الأسئلة لأنه بكل بساطة أضحى أداة في يد من يسعى لجبر كسر ألَمَّ بِه! والأداة تظل أداة لا يمكن أن تعمل بغير المؤدي، ولهذا ستكون الأداة من "سقط المتاع" حال موت المؤدي المحتوم! ونحن" البسطاء"! نريد أن نسأل المفاوض أسئلة "ساذجة من وجهة نظره" وقد يصفنا بعدها بالرجعيين والظلاميين وغير المنطقيين الذين لا يفهمون "توازنات السياسة" و"الخطوط الخلفية والأمامية" و"استغلال مصالح القوى"... إلى آخر هذه المصطلحات التي تتوالد يوماً بعد يوم في قاموس "الدبلوماسية" حتى صرنا نسمع بطلاسم سياسية بمفاهيم ملتبسة المعنى.. الوصف الحقيقي لها هو: تبني العقيم! فمن لا يملك إنجاب المفاهيم الواضحة يتبنى المفاهيم الملتبسة ليلبس على الناس أمرهم باسم: السياسة! ويدّعي زوراً أنه أنجب شيئاً! أيها المفاوض .. على ماذا تفاوض؟! هل تفاوض اليهودي الحاقد على اعتبار القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المزمع تشكيلها؟! أم هل تفاوض العدو على عودة المهجرين ال 4 مليون إلى حيفا ويافا وعكا وعسقلان ودمرة وهوج وبرير وبربرة وسمسم؟ أم هل تفاوض العدو كي يعتذر أمام العالم في المؤتمر القادم عن المجازر الرهيبة في قبية وصبرا وشاتيلا وقانا ودير ياسين واللد وعيلوط والطنطورة والصفصاف وصبارين وكفر قاسم.... إلخ؟! أم هل تفاوض العدو على وقف القتل اليومي الممنهج للشعب الفلسطيني والذي لم ينقطع إبان تفاوضك معه لحظة واحدة بل كانت اللقاءات المهمة المعمقة -كما يصفها عريقات دائما- تتوج بمجزرة تستحي -كونك المفاوض القدير- من إدانتها؟! هل تفاوض العدو على إطلاق سراح 11.000 أسير وأسيرة بينهم الأطفال والنساء والشيوخ والنواب وبينهم من قضى شبابه ومشيبه في السجن دافعاً عمره ضريبة للعزة والكرامة التي أضحت من أنواع القرف بالنسبة لكم كون أنفسكم تشمئز منها كما قال فياض الذي يفيض...! هل عذابات المشردين من ديارهم وأموالهم ومزارعهم وبياراتهم في أصقاع الأرض والذين يلقون العذاب من كل أصناف البشر على المعابر وفي المخيمات في لبنان والعراق وسوريا مطروحة على طاولة المفاوضات؟! أم أن قضية فلسطين أضحت كلها قائمة على وعد باهت تكذبه الوقائع يومياً بدولة فلسطينية قابلة للحياة مقابل دولة لإسرائيل تعيش بأمن وأمان (لاحظوا صياغة الدولتين..!). أيها المفاوض... علّمنا أجدادنا أن "الحق" الذي لا تحميه "قوة" يضيع، وأطفالنا رضعوا "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة"، وعلمتنا الأيام والليالي والسنوات العجاف السابقات قبيل انتفاضة الأقصى وقبل سقوطكم في 25-1 أن طريق المفاوضات طريق عقيم سيما إن كان المفاوض غبياً إلى حد استعطاف العدو وطلبه الثقة والنية الحسنة! ويا ليت أن العدو أثبت ولو لمرة واحدة نية حسنة تجاه المفاوض، بل إن المفاوض يُصفع كل يوم صفعات من الاحتلال الذي لم يلبّي له الحد الأدنى من مطالبه ومن الشعب الذي يهزأ بخيالات التفاوض العبثي الذي بينت "مقلوبة" عريقات أنه ضرب من العلاقات الودية الحميمة! كم نشتاق -عبثاً- أن نرى تمعر وجهك أيها المفاوض ولو لمرة واحدة حينما يسفك دم بريء أو تقتل زهرة نامية، أو يعتدى على عرض شريف! لكن درب التفاوض.. هو ذاته حتى القبر حتى القبر حتى القبر! أدام الله عز حركة حماس التي رفعت شعار حق.. قوة.. حرية، فتمسكت بالحق ولم تساوم أو تفاوض عليه ولم تعتبره من الأمور القابلة للتفاوض، وكوّنت قوة رادعة للعدو تطورها على مدى الساعة لحماية هذا الحق، ويوماً ما سيحقق هذا التمترس الحقيقي نصراً وحرية، فمن خاف أدلج ورابط في الليل البهيم على تخوم الوطن، ومن أدلج بلغ المنزل! أما من نام بحراسة عدوه على نغمة دولة فلسطينية بلهجة أمريكية يتغنّى بها بوش منذ سنوات غامزاً مستهزئاً مستهبلاً فلن يكون مصيره إلا الموتة الكبرى في خريف السقوط!