د بشير مصيطفى - الدوحة [email protected] تنعقد نهاية العام الجاري القمة الاقتصادية العربية الأولى من نوعها في عاصمة دولة الكويت "الكويت" وذلك استجابة لتوصية من اجتماع القادة العرب في الرياض شهر مارس المنصرم . وكان الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، قد أكد هذا الخبر في تصريح له الأحد الماضي. وعقب ذلك مباشرة أعلن الاتحاد الأوربي عن قمة بينه وبين دول الاتحاد المغربي. لم يحدد تاريخها. وفي أقل من أسبوع أي 3 أيام بعد تصريح عمرو موسى عقد بعاصمة قطر "الدوحة" أمس الأربعاء مؤتمر تحضيري للقمة المرتقبة تحت شعار "رؤية عربية للقمة الاقتصادية". فماذا يحمل هذا الحدث من دلالات ؟ وماذا يعني أن يسارع الاتحاد الأوربي لعقد قمة موازية؟ وأين موقع الجزائر وسط تجاذبات المد الاقتصادي بين الفضاء الأوربي التاريخي والفضاء العربي الفتي؟ أزمة الاقتصاد العالمي أعلنت الأحد الماضي مجموعة"سيتي قروب" أول مجموعة استثمارية في العالم من حيث القيمة السوقية عن خسارة قدرها 11 مليار دولار وعن حل مجلس ادارتها . وكانت المجموعة قد أقالت مديرها التنفيذي الشهر الماضي . وتعتبر "سيتي قروب" شركة قابضة تختصر مساهمين من شركات أوربية وأمريكية وتشكل واحدة من واجهات الاقتصاد الرأسمالي. وقبل هذه المجموعة أعلنت بنوك عديدة سلسلة خسائر غير مسبوقة مثل "نورثن روك" في لندن و " باريباس" في باريس. وتشهد الساحة العالمية الآن سحوبات نقدية تحسب بمئات الملايير من الدولارات أبطالها المدخرون الصغار وصناديق الاستثمار. وقد تفاجأت البنوك الاسلامية وصناديق الاستثمار التعاوني بتدفقات مالية ضخمة على محافظها ما شجع شركة " موانئ دبي " الاثنين الماضي على إطلاق عملية اكتتاب في أسهمها بمبلغ 4 مليار دولار، أول عملية من نوعها في العالم العربي منذ فجر التاريخ. حالة من التحول في التوظيفات الدولية لرأس المال قلبت النظرية التقليدية ( مرجعية النظام الرأسمالي الحديث ) رأسا على عقب ورسمت أمام الملاحظين تباشير سقوط النظام الليبرالي تحت مطرقة "الربا – سعر الفائدة" التي لا ترحم. لقد توقع "ماركس" سقوط هذا النظام على خلفية تناقض علاقات الانتاج داخله فعدلت المؤسسات الرأسمالية هذه العلاقات وأبدعت في التنظيم النقابي وامتصت غضب العمال فخابت النظرية الماركسية، وتوقع الإسلام - من خلال نصوص القرآن الكريم وأحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام – أن يسقط النظام الربوي " ويمحق الله الربا ويربي الصدقات..." . وهاهي أزمة الرهن العقاري في أمريكا تعصف بكل النظام المالي الرأسمالي مرة واحدة كما تعصف الريح بشجرة لا جذور لها. الفضاء الاقتصادي العربي المجهول يختزن الوطن العربي من الطاقة 70 في المائة من احتياطي العالم من النفط ومثله من الغاز، ويشكل سوقا حجمها أكثر من 300 مليون مستهلك ومن عدد من الدول يساوي 22، وحجم تجارته الخارجية حسب آخر تقرير " التقرير الاقتصادي العربي المشترك" 873 مليار دولار سنويا وموجودات البنوك الإسلامية فيه وحدها أكثر من 300 مليار دولار وأمواله الموظفة بالخارج 1200 مليار دولار" كمخزون" دون احتساب الفوائد السنوية. أما فائض السيولة في الوطن العربي فتقارب 3000 مليار دولار"3 تريليون". أرقام مجهولة لدى الكثيرين ولا يكاد الكثيرون يبصرون سوى فقر مدقع وبطالة عالية وتضخم متزايد وخدمات رديئة وسياسات اقتصادية مشتتة وقنابل ديموغرافية موقوتة. وعندما انتبهت قمة الرياض الأخيرة "مارس 2007" وأوصت بقمة اقتصادية عربية سارعت الدول الكبرى إلى التحرك فرحلت فرنسا الى الجزائر فالمغرب. وترحل ايطاليا الى الخليج وسط هذا الشهر، ويعد الاتحاد الأوربي – حاليا - لقمة مع الاتحاد المغاربي ستعقد في برشلونة. ومن المنتظر أن تناقش القمة العربية الأولى من نوعها ورقات عمل حول التعاون العربي والتجارة البينية وحركة البضائع والأشخاص والربط الكهربي والنقل والاستثمار وموضوعات التجارة الحرة ومستقبل الاقتصاد في الدول العربية. واللافت في هذا المجال هو اعتراف القادة العرب بأهمية الاقتصاد كقاطرة للوحدة العربية المنشودة وهو الرأي الذي مازلنا نحاول أن نسوقه عربيا منذ أكثر من 15 سنة خلت. أرقام جزائرية وسياسة اقتصادية غائبة مازالت الجزائر رقما غائبا في اقتصاديات الوطن العربي وفي لقاء مع مستثمر خليجي كبير سألني أين تقع الجزائر وما اسمها بالانجليزي ولما قلت له " ألجيريا" قال ظننتها " نيجيريا" ثم سألني هل سكانها بيض أم سود البشرة ؟ حينها تسآءلت عن أداء هيئاتنا الدبلوماسية في الخارج ؟ ولماذا لا تتكرر بدول أخرى تجربة سفارتنا في قطر الاثنين الماضي وهي تفتح أبواب اقامة السفير على حشد من المتعاملين والمسؤولين ليلقي فيهم سفير الجزائربالدوحة كلمة عن فرص الاستثمار في الجزائر ؟ وعندما أبرمت الجزائر منذ سنوات (2000) صفقة بيع جرارات ( 100 جرار) للعراق – أيام سيادته – احتفل الجميع بالحدث وكأنه حدث تاريخي يشبه الفتوحات، والأسوأ من ذلك أن الصفقة لم تتم. أقول هذا الكلام لأن الجزائر مرتبطة في تجارتها الخارجية بالدول غير العربية بنسبة 75 في المائة ومرتبطة بالاستثمارات العربية بنسبة لا تكاد تذكر – باستثناء الاستثمارات الاماراتية المخطط لها - كما تعتبر الجزائر من أكبر الخاسرين في العالم في تجارتها مع الدول الغربية فهي تبيع بدولار رخيص جدا وتشتري بيوروعالي السعر جدا، وكم تمنيت لو حسبت لنا الحكومة مبلغ الفرق الناتج عن عملية التبادل هذه ؟ ياليت الدول العربية التي ستجتمع في الكويت نهاية العام تقرر اصدار عملة موحدة هي الدينار العربي وتفك ارتباط عملاتها بالدولار، وياليتها تبادر بسبق تاريخي يحفظ لها فتقرر الإفراج عن الاتفاقيات المشتركة بينها . ياليتنا نحن جيل الشباب العربي نرى الجسر بين الدوحة والمنامة قد أقيم. وأنبوب الغاز بين قطر والكويت قد عبر الأراضي السعودية بدل أن يحول الغاز الطبيعي الى غاز مسال ينقل عبر الناقلات. والطريق السيار بين سوريا والخليج قد امتد الى دول المغرب العربي، ياليتنا نرى البرتقال الفلسطيني يسوق في الجزئر والدواء الأردني يغزو الأسواق العربية. ياليتنا نرى الدول العربية أرقاما حقيقية على خارطة الاقتصاد، بدل أن تظل أحجارا على رقعة شطرنج، الرابح فيها الاتحاد الأوربي والاتحاد الأوربي وحده.