عبد الناصر "لو كان الفقر رجلا لقتلته".. نفحة من نفحات أكبر شهداء الفتنة الكبرى، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.. قالها صاحب نهج البلاغة وهو يشاهد جحافل "الفقر" تخوض المعارك الأخلاقية والأمنية، فتخرج منتصرة، تزرع الفتنة، فتنبت شقاقا ونفاقا في كل مكان. ما الذي يجعل شابا في ربيع العطاء لو قال للسعادة كوني لكانت، يتحوّل إلى قنبلة متجوّلة لا تقتله لوحده وإنما تقتل معه الأطفال والشيوخ؟! ما الذي يجعل كهلا يطرق أبواب ربيع الآخرة يصنع الحداد على مشارف عيد الأضحى وفي الأشهر الحرم في قلوب أربعين عائلة، فيها من الصائمين والمصلين والحجاج؟! ما الذي يجعل قوما يحفظون القرآن أو بعضا منه، يصفون ما حدث بالغزوة والضحايا بأعداء الإسلام ومرتكبي الجريمة بالشهداء؟! سؤال يتكرّر طرحه كلما زلزلنا الموت بهزات من صنع شباب من جلدتنا تتلمذوا في نفس مدارسنا وركبوا نفس حافلاتنا وعانوا مثلنا من كل المشاكل التي نصبح ونمسي ونبيت عليها. سؤال وجب الآن الإجابة عنه وتبخير كل الإستفهامات التي تحيط حوله مادام نصف إجابته في السيرة الذاتية لهؤلاء الانتحاريين الذين أثقل الإملاق ممشاهم وقعودهم ونومهم في حياة كلها بؤس وسط أكواخ القصدير وضمن عائلات لا تأكل لتعيش وإنما تحيى لسد الرمق. الفقر وحده هو الذي دفع الحراڤة إلى أن يصيحوا أين المفر؟ الموت من أمامنا والموت من خلفنا!! والفقر وحده هو الذي صنع هذا الانحلال الأخلاقي، وهذا الارتفاع الرهيب في أرقام الجريمة.. والفقر وحده هو الذي صنع من أجساد بشرية قنابل تبلع الروح في لمح البرق، حتى وإن كان الفقر الروحي أشد قساوة من الفقر المادي. وعندما تعجز أرضا مساحتها أزيد من مليوني متر مربع عن سد رمق ثلاثين مليونا، وعندما تعجز خزائن تكاد تنفجر بمئة مليار دولار، وعندما يعجز شعب معظمه من الشباب الشارب من كل الحضارات على أن يقضي على الفقر، فإن الأمة مدعوة لأن تصنع انتحاريا يفجر هذا الفقر، حتى وإن كان الفقر في بلادنا ليس رجلا، كما قال علي بن أبي طالب، يمكن قتله، وإنما جيش في القاعدة وجيش في القمة.