رشيد فضيل يحتشد ملايين المسلمين في هذه الأيام بالمشاعر المقدسة لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، وفي هذه الأيام ذاتها يحتشد المشهد الإسلامي عبر العالم بكثير من صور التبعية والتجزئة وأشكال البؤس والحصار والمواجهة مع قوى الشر التي حصرت الإسلام عقيدة وبلدانا في دائرة اسمها محور الشر ومصدر الإرهاب العالمي. وتتصارع المشاهد في النفس المؤمنة بين واقع بئيس يراد للمسلمين الركون إليه، وبين معان للحد ترفع المؤمن ممن درجة الضحية والمشاهد للواقع الدولي إلى الفاعل المؤدي لدور الشاهد على الأمم الأخرى (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا). وإذا كانت عبارة الحج محتشدة بالرموز ومشبعة بالمعاني، فإنها تجعل من كل طقوسه معابر إلى المعنى الأكبر هو توحيد الله والخضوع له وحده، حيث يتزود فيها المؤمن بالتقوى ويتربى على معاني العبودية والانقياد لشرع الله. والحج يثير في النفس الشعور بالأخوة الإسلامية بين المؤمنين، وضرورة الوحدة بينهم، فالحجاج يجتمعون في مكان واحد وزمان واحد وهيئة واحدة يدعون ربا واحدا، وهي لحظة يهزأ فيها المؤمن بكل ضروب القوى الأخرى مهما علا جبروتها. ويمنح الحج المؤمنين شعورا بأنهم أمة تملك مقومات الوحدة والاجتماع ما لا تملكه أمة من أمم الأرض، فمشهد الوقوف بعرفة يتوحد فيه وجدان الحجاج وأكثر من مليار وثلث مليار مسلم، موقف يتطلب التأمل والتوظيف لصالح الإسلام والمسلمين، ولعل هذا ما يجعل فقناة (سي أن أن) الأمريكية السيئة السمعة تدخل الحرم المكي لتنقل مناسك الحج مباشرة إلى البيت الأبيض دون غيرها من القنوات العالمية بما فيها اليتيمة (التي لا يمكنها إغفال التغطيات إلا بما تجود عليها القنوات السعودية رغم وجود مراسلين لها في مكة)، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أكبر تجمع عالمي للمسلمين أصبح يشكل قلقا لدوائر هنا وهناك، وأنه أصبح محل دراسة وتقنين من قوى لا تخفي عداءها للإسلام. وإذا كان القرآن هو الذكر المحفوظ الذي تحفظ به الرسالة، فإن الحج هو الشعيرة التي تجدد هذا الوجود كل عام، ولا خوف على أمة من الفناء إذا كان فيها قرآن يتلى وفيها شعيرة الحج التي تجدد الذكرى بوجود أمة تتجاوز المليار وثلث المليار وتزداد كل يوم، والموقف يحتاج فعلا إلى بطل إسلامي.. فهل يطول انتظار قدوم هذا البطل ليضاعف من منافع هذه الشعيرة المهمة، وفي انتظار ذلك نسأل الله للحجاج القبول ولنا الوعد والوصال.