اتخذت الأزمة بين برلينوواشنطن منحى دراماتيكياً، الخميس، بعدما طردت الحكومة الألمانية ممثل أجهزة الاستخبارات الأميركية على أراضيها، وسخرت من "غباء" الولاياتالمتحدة لتجسسها على قادتها ومؤسساتها، معتبرة أن الأمر يستحضر الحرب الباردة. ورفضت الناطقة باسم البيت الأبيض كاتلين هايدن التعليق على "مسألة استخباراتية"، مستدركة: "لدينا علاقة أمنية واستخباراتية مهمة جداً مع ألمانيا، تضمن أمن الألمان والأميركيين. وضروري متابعة التعاون في كل المجالات، وسنواصل اتصالنا مع الحكومة الألمانية عبر قنوات مناسبة". وكانت السلطات الألمانية أعلنت الأربعاء استجواب رجل، أوردت وسائل إعلام أنه موظف في وزارة الدفاع الألمانية مُتَّهم بالتجسس لمصلحة الولاياتالمتحدة. أتى ذلك بعد أيام على اعتقال عميل للاستخبارات الألمانية، سرّب 218 وثيقة سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي). وأثار الأمر استياء بالغاً في برلين، خصوصاً بعدما كشف إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركي، وثائق أفادت بتنصت الوكالة على الهواتف الخليوية لمسؤولين ألمان، بينهم المستشارة أنغيلا ميركل. ومسألة الخصوصية مهمة جداً بالنسبة إلى الألمان، بسبب ذكرى ممارسات جهازَي الشرطة السرية (غيستابو) في ألمانيا النازية، وأمن الدولة (شتازي) في ألمانيا الشرقية. وقال الناطق باسم الحكومة الألمانية شتيفن سايبرت: "طُلب من ممثل الاستخبارات الأميركية في سفارة الولاياتالمتحدة، مغادرة ألمانيا". وأضاف أن "هذا الطلب أتى في ضوء تحقيق يجريه رئيس الادعاء العام الاتحادي، وأسئلة أُثيرَت منذ أشهر عن نشاطات أجهزة الاستخبارات الأميركية في ألمانيا". وأشار إلى أن "الحكومة تتعامل بجدية مع هذه المسألة"، مشدداً على أن ألمانيا تتابع السعي إلى تعاون "وثيق" مع شركائها الغربيين، "خصوصاً الولاياتالمتحدة". واستدرك أن الأمر يستدعي "ثقة وانفتاحاً متبادلين". أما النائب كليمنس بينينغر، رئيس لجنة مراقبة نشاطات الاستخبارات في البرلمان الألماني، فلفت إلى أن هذا التدبير "ردّ على غياب التعاون منذ فترة طويلة في الجهود لتوضيح" نشاطات الاستخبارات الأميركية في ألمانيا. أتى قرار برلين بعد ساعات على قول مركل إن "التجسس على الحلفاء هدر للطاقة"، مضيفة: "لدينا مشكلات كثيرة، وعلينا الاهتمام بالمسائل المهمة". واعتبرت أن لدى ألمانياوالولاياتالمتحدة "مقاربات مختلفة جداً" لدور أجهزة الاستخبارات، وزادت: "خلال الحرب الباردة، ربما كان هناك انعدام ثقة. نعيش الآن في القرن الواحد والعشرين، وثمة تهديدات جديدة تماماً". وتابعت: "في الأوقات الملتبسة جداً، ضروري أن تكون الثقة متبادلة بين الحلفاء. إن مزيداً من الثقة يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الأمن". وكانت مركل أعلنت أن منسق أجهزة الاستخبارات لدى الحكومة الألمانية كلاوس ديتر فريتشي تحدّث هاتفياً مع رئيس "سي آي أي" جون برينان، فيما التقى مسؤول بارز في الخارجية الألمانية السفير الأميركي في برلين جون بي إمرسون، للمرة الثانية خلال 5 أيام. واعتبر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن "محاولة معرفة أي شيء حول موقف ألمانيا سراً، ليس فقط غير ملائم بل أيضاً يفوق حدّه". ورجّح وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير أن تكون المعلومات التي نالتها الولاياتالمتحدة من التجسس "مضحكة"، مستدركاً أن "ضررها السياسي غير متناسب وخطر". أما وزير المال فولفغانغ شويبله فقال ساخراً: "إن تجنّد الولاياتالمتحدة على أرضنا أفراداً من الدرجة الثالثة، هو غباء. وفي مواجهة غباء مشابه، لا يمكننا إلا أن نبكي. لذلك هذا الأمر لا يسلّي المستشارة" مركل. وكان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني نوربرت روتغن نبّه بعد محادثات مع أعضاء في الكونغرس ومسؤولين أمنيين أميركيين في واشنطن، إلى أن نشاطات الاستخبارات الأميركية في ألمانيا قد تؤدي إلى "نزاع مجمّد" في العلاقات بين جانبَي الأطلسي.