حادث البلكون الذي كاد أن يؤدي إلى سقوطي من الشرفة لولا عناية الله وحفظه، وأيضا إلى سقوط زوجتي، ذلك أن ارتطمت بالجزء العالي قليلا من البلكون، ولولا قدر الله وارتطمت يمينا على الجزء من جدار البالكون غير المنتهي البناء والذي لا يتعدى علوه 50 سنتيم، لكان اليوم موعد الدفن عصرا وهو رجل! وربما رجل وامرأة! هذه الحادثة، جعلتني أراجع كل حساباتي من أولها إلى آخرها في شكل صحوة ضمير أو عودة الوعي أو لنقل عودة الروح! فقد كانت الروح هي الجزء الغائب في شعبان! شعبان كان مجرد هايشة يأكل ويشرب وينام. شعبان فيما يبدو لم يكن حيا! كان ميتا بالأساس. كان جسدا ماديا، خاليا من الحياة! هكذا بدا لي الأمر وأنا أراجع نفسي طيلة النهار، أو لنقل ما تبقى من النهار! فلقد تأكدت بعد أن أخذت حماما لمدة ساعة، أن الوقت على المغرب لم يكن سوى ساعتين ونصف ساعة!. الوقت الكافي لتدارك ما فات من صلاة صبح وظهر وعصر! صليت الأوقات كاملة رغم أن وقت الصبح كان قد مر والظهر أيضا. بقيت وحدي في بيتي أفكر في الحادثة وما كان سينجم عنها! لم أبال بلسعات الناموس التي اخترقت جلدي رغم أني كنت ألبس لباسا مدرعا من رأسي إلى أخمص قدمي: خوذة بلاستيكية سوداء في رأسي (بيدو زبالة)، وتقاشيرات في أيادي وأرجلي وفيستة وسروال نتاع فصل الشتاء.. في عز الصيف! مع ذلك، لاحظت في الحمام أن الناموس "خلعني" بن الكلب! العدو الصهيوني.. بقيت أراجع نفسي وأتأمل موقف زوجتي مني! لقد كانت تبكي وتنزع من يدي وأرجلي التقاشيرات وترش الماء على وجهي وباقي أطرافي وهي تنادي أبناءها وبناتها اللواتي كن في المطبخ وسط ضجيج صوت التلفاز! فلا أحد سمع ولا أحد استجاب. كنا وحيدين نصارع القدر ونتائج هذه المأساة التي كانت ستكون أكثر وخامة مما كنا نتصور! زوجتي تصرفت معي بمنتهى الرقة والحنان! لم تعد تلك المرأة الغبية، العنيفة، الحمارة البغلة التي كنت أراها على هيئنها!.. كانت تتفحص جسدي كله وتحاول إيقافي ووضعي على السرير، فيما كنت أنا من يبادر إلى سؤالها عن نفسها وعن السقطة إن كانت صعبة وهل هي مضرورة حتى آخذها إلى المستشفى! كانت تضحك وتبكي وهي تقول: شكون يا شعبان اللي يدي الآخر للسبيطار؟ أنا وإلا أنت؟ حتى واحد فينا ما قادر يدي الأخر! رانا بزوج كيف كيف!.. هذه الكلمة "رانا بزوج كيفكيف" جعلتني أراجع كشوفاتي السابقة واللاحقة، ليس من زوجتي التي كثيرا ما ظلمتها ظلما وعدوانا، بل مع أبنائي وبنائي والجيران والناس أجمعين. صرت أشعر أني تغيرت، وأن هذه الواقعة قد حولتني أو على الأقل قد بدلت لي عقليتي.."فورماطات" لي "الديسك دير"!.. شعرت كأني أعرف نفسي من جديد ولأول مرة! ورحت أتساءل عن سبب كل هذا، وتوصلت إلى أنه النوم! لكن النوم مصدره ماذا؟ الكسل، والكسل أساسه ماذا؟، قلة الشعور بالمسؤولية.. وقلة الشعور بالمسؤولية تعني ماذا؟ تعني أنك لم تقم بالمهمة التي خلقت من أجلها في هذه الدنيا! وأنك لم تحمد الله على هذه المهمة التي أنيطت بك والتي كلفت بها. أسئلة فلسفية كثيرة راودتني في خلوتي هذه الأمسية وأنا "في بيت غير وحدي"! لأول مرة، أقوم وأحضر نفسي للإفطار قبل المغرب بنصف ساعة!، لأرى زوجتي وبناتي وأبنائي الذين هبوا أخيرا لاستقبال أبيهم العائد من المقبرة! ولأسألهم إن كانت: "تخصهم حاجة للفطور نروح نجيبها لهم".