عبد العالي رزاقي هل الجزائر في حاجة إلى تغيير الدستور أم في حاجة إلى تجديد العهدة للرئيس بوتفليقة، وهل سيتغير النظام الجزائري عام 2008 أم ستبقى "دار لقمان على حالها"؟ التعبير أم البقاء في السلطة؟ بالرغم من الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الرئيس الروسى بوتين إلا أنه لم يقدم على تعديل الدستور للبقاء في السلطة، وإنما اختار العودة إلى قيادة "الأغلبية البرلمانية" وكان ترشحه دعما لحزبه، مما يجعل منه المرشح لقيادة الحكومة عوض الرئاسة. وهذا يؤكد تمسك بوتين ب (الكرسي)، لكن ليس على حساب القانون، ويبدو أن هذا النموذج مفقود في العالم الثالث، فأغلب الدول العربية مرت ب (تجربة) تعديل الدستور لوصول هذا أو ذاك للحكم أو لبقاء هذا أو ذاك، دون أن تجتهد في البحث عن أساليب أخرى. ما يؤسف له أن الجزائر عانت "الإشكال" نفسه، فكل رئيس تقلّد الحكم إلا وجاء ب (دستوره)، واستغرب كيف لم يغير بوتفليقة حتى الآن الدستور بالرغم من الانتقادات الاذعة التي وجهها له. والإشارة الوحيدة إلى تعديل الدستور التي وردت على لسانه سرعان ما اختفت من خطاباته. لكن حاشية الرئيس والحزب الذي يترأسه شرفيا والحكومة، بكامل أعضائها، باركت المطالبة بالتعديل، دون أن تطرح ما تنشده من ذلك. البعض يطالب بالتعديل حتى يتمكن الرئيس من الترشح لعهدة ثالثة، والبعض الآخر يطالب بالتعديل للارتقاء بالأمازيغية إلى "لغة رسمية" بعد أن منحها بوتفليقة "صفة الوطنية" دون اللجوء إلى الاستفتاء. الدستور هو الوثيقة الوحيدة التي يفترض أن تؤسس لبناء الدولة "التي لا تزول بزوال الرجال"، ويحتاج إلى لجان قانون لتعديله حتى يستجيب لمتطلبات العصر، ويمكّن الأجيال من الوثوق بذواتها، والاقتناع بالنموذج الذي يُختار ليكون اللبنة التي تبنى عليها وبها استقلالية السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية والقضائية). والمطلوب هو فتح حوار وطني حول النظام السياسي الأفضل: الرئاسي أم البرلماني، وعدم المزاوجة بينهما حتى لا تفقد الديمقراطية أحد أركانها وهي "سلطة الأغلبية". تجديد عهدة أم انتخابات رئاسية؟ أزعم أن الأحزاب الجزائرية والمجتمع المدني وقعوا في خطأ جوهري يمس بقانون الدولة وهو الدستور حين حملوا شعار "عهدة ثالثة ولم ليست رابعة لبوتفليقة"، لأن مثل هذا الشعار يدل على غياب الوعي السياسي وعدم احترام الدستور، فهم لم يفرقوا بين الدعوة إلى تعديل الدستور حتى يترشح بوتفليقة مع غيره من المترشحين لرئاسيات 2009، وبين الوقوف وراء الرئيس كمرشح محتمل (الأحزاب والمجتمع المدنى) مقابل مرشحين افتراضيين من الأحرار الذين سيقومون بدور الأرانب، بعد أن تغيب أو يتغيب الفرسان. لست من المؤيدين لتعديل الدستور من أجل إعادة انتخاب بوتفليقة فقط، وإنما من المتحمسين لتعديل الدستور لاختيار نظام سياسي برلماني أو رئاسي، وليس يهمني من يبقى الدهر رئيسا للبلاد ما دام الشعب معه، لأن أولوية تعديل الدستور لتثبيت نظام سياسي لا تتداخل فيه الصلاحيات والمهام يضمن المستقبل للبلاد. ولهذا أقول لمن لا هم لهم سوى "المساندة" أن يتداركوا الأمر ويطالبوا بتعديل الدستور حتى يلبّي حاجة البلاد إلى التغيير، فالجزائر تأخرت حتى عن "مسيرة دول الجوار" في البناء المؤسساتي للدولة. إن اختيار نظام الحكم هو الذي ينقذ البلاد من الولاءات ل ( الحاكم)، والتجاوزات، ويجدد الدم في جسم فقد المناعة، ومعرض للأمراض والأوبئة. أما الأصوات التي تنادي برفض ترشح بوتفليقة لعهدة ثالثة فهي تقع في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه الأصوات المساندة له، وكان يفترض أن تقوم بحملة ضد تغيير الدستور وليس ضد منع شخص من الترشح في إطار دستوري. عندما يناقش الجزائريون مشاكلهم خارج الوطن؟! ما الذي يمنع القنوات التلفزيونية والإذاعية الجزائرية من أن تنشغل باهتمامات الرأي العام الجزائري؟ ما الذي يمنع وسائل الإعلام الحكومية أن تتحدث عن تعديل الدستور، وزيارة ساركوزي والانتخابات؟ لماذا يخاف الإعلام العمومي من أن يفتح حوارا حول موضوعات مثل: أحزاب الائتلاف الحكومي وغياب البرنامج؟ والمعارضة والمفهوم الخاطىء لها، ودور المجتمع المدني؟ أو ليس من "العار" أن تفتح قنوات عربية منابر للأصوات الجزائرية للتعبير عن انشغالاتها في الوقت الذي تتجه فيه وسائل الإعلام عندنا إلى" الأمراض والكوارث". ما يحزّ، في النفس، أن جميع سلطات الوطن العربي موجودة في القنوات العربية إلا سلطة بلادنا فهي لا تدافع عن سياساتها أو مواقفها. وفي الوقت نفسه تقف ضد اعتماد المراسلين الجزائريين للقنوات العربية والإسلامية، وكأن وجود جزائري يحمل صفة مراسل لهذه القناة أو تلك هي »سبة للصحفي الجزائري«، بل إن السلطة تريد الأجانب مراسلين لهذه القنوات، وكأنها تسعى إلى منع الكفاءات من العمل في المؤسسات الدولية، بعد أن أغلقت في وجوههم مؤسساتها. الاعتقاد السائد عندي أن السلطة في الجزائر لا تعي خطورة الإعلام، ولا تريد للجزائريين أن يتحاوروا فيما بينهم، بغير السلاح، ولهذا تمتنع عن السماح للرأي الآخر بالظهور. ويخيّل أن عام 2008 سيكون مليئا بالمفاجآت، حيث سيدور حوار في الكواليس حول تعديل الدستور، وتقع مواجهات داخل المجالس الولائية بين حزب تواتي ولويزة حنون وأحزاب الائتلاف، وتقع مشادات داخل البلديات حول »تقاسم الريع« بين الأحزاب في أكثر من 1300 بلدية، بسبب تعدد المنابر فيها. وإذا كان البعض يعتقد أن توزيع دماء البلديات والمجالس الولائية على الأحزاب دون أغلبية مطلقة هو بمثابة رسالة إلى الأحزاب التي ما تزال تحمل »صفة المعارضة« بأن تلتحق بالسلطة، فإن أحاديث أخرى ستكون مثيرة في عام 2008.