عبد الناصر انتهت الوليمة الإفريقية بتسليم الكأس السمراء لمن يستحقها بعد حفلة كروية تواصل الأداء فيها أسبوعين كاملين بأقدام وعقول ستة عشرة بلدا من شمال وجنوب القارة ما بين عرسان نافسوا على التتويج ومدعوين ساهموا في طبخ أطباق الوليمة التي جاءت دسمة وأبانت أن شعوب القارة بما في ذلك معدمة الإمكانيات والقابعة في أراضي قاحلة لا تغرب عنها الشمس الحارقة تحدت الفقر والظروف المناخية والتضاريس الصعبة. وصنعت لنفسها حاضرا بحثا عن مستقبل لشعوبها الفقيرة ولشبابها الذي أدرك أن التفوق في الكرة والرياضة هو جزء من التفوق في الحياة. وفي زخم هذه الوليمة الإفريقية كان الجزائريون كالطرشان في الزفة شاخصين أبصارهم ذاهلين أمام ما بلغته الأمم في رياضة هي الوحيدة التي صنعت دائما الأفراح الشعبية لكافة الجزائريين أمام الخيبات السياسية والاقتصادية والأوجاع الأمنية التي عاشوها، وبقي متنفسهم الوحيد وجامع حناجرهم وقلوبهم هو الملعب الذي ملؤوا مدرجاته كلما كان المنتخب الوطني أحد أبطال مستطيله الأخضر في إسبانياوفرنسا وتونس والأردن وكل المدن والقرى الجزائرية، ولأننا عقدنا عهدا موثقا مع الفشل ومع التناقضات فإن المشهد الذي عشناه أيام مونديال القارة السمراء كان مقلوبا رأسا على عقب، حيث استقبلت غانا المجتهدين للتنافس على تاج إفريقيا. بينما حج المنتخب الوطني الجزائري إلى باريس حيث جمع لاعبين بعضهم يعيش مرحلة شيخوخة متقدمة وآخرين يئسوا من تقمص ألوان فرنسا، وجاء التجميع ليس لأجل الحديث عن العار الذي لحق بنا إلى درجة غيابنا ولو كمدعوين في العرس الإفريقي، وإنما لتقاسم غنيمة حرب لم تندلع بعد حيث بلغت فيها أرقام العلاوات في حالة التأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا أزيد من مليار للاعب يقول إنه يدافع عن العلم الجزائري، وهو مبلغ لا يحلم به أكبر الأطباء والمهندسين والمحامين الجزائريين الذين فضل الآلاف منهم الهجرة إلى ما وراء البحار والمحيطات، هذا طبعا إن تمكن هؤلاء من بلوغ المونديال الذي عشنا أجواءه ولم يكن عمر الجزائر المستقلة قد بلغ ربيعه العشرين. المثل الغاني يقول: »الأحمق يعطش وهو في الماء« والمثل النيجيري يقول »لا يكفي زئير الأسد لقتل فريسته« وكلها أمثال إفريقية تنطبق على حال كرتنا.. ولكن دعونا نتأمل المثل السنغالي الذي يتساءل »هل يحتاج النهار إلى دليل« فهل يحتاج حالنا البائس إلى مزيد من الأدلة؟!